تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولمزيد من التوضيح لما زعمه المعلق أذكر هنا اختلاف الألفاظ في حديث سفيان، وهي كالأتي:

1 - " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة ".

2 - " إنه عليه السلام كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود "

3 - " إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة ".

ويزعم المعلق أن هذه الألفاظ بينها تناقض، حيث إن اللفظ الأخير صريح على أنه نفي كلي لرفع النبي صلى الله عليه وسلم اليدين في غير تكبيرة الإحرام، ويقاربه اللفظ الثاني في إفادة النفي الكلي، بينما يكون اللفظ الأول لا يفيد بظاهرة هذا السلب الكلي، بل يفيد النفي الجزئي فقط، وإنما أعلّ ابن المبارك اللفظ الثالث وحده للتناقض بين اللفظ الأخير وبين حديث ابن عمر، وأما اللفظ الأول فلم يعله لأنه لم يناقض حديث ابن عمر.

وهذا من المعلق عمل غريب لا يقره المنهج السليم في نقد الحديث، إذ هذه الألفاظ كلها تدور على سفيان الثوري،ومن المعلوم أن المغايرة بين ألفاظ الحديث لا تعني بالضرورة تعدد الحديث وتعدد الرواية، لاحتمال أن يكون الحديث مروياً بالمعنى من قبل بعض الرواة اللاحقين. هذا ولم يرو أحد – حسب معرفتي – حديث ابن مسعود بلفظ الحديث الثالث، وإنما جاء مختصراً فقط في قول ابن المبارك حين ذكر العلة، وفي تبويب الترمذي.

وإن كان أسلوب المعلق هو اعتبار تعدد الروايات لمجرد وجود تفاوت بين ألفاظها فإنه لا يتم له أن يجعل الحديث الثالث والثاني شيئاً واحداً، حين قال المعلق: " ولفظه (يعني الحديث الثالث) عند الطحاوي: أنه عليه السلام كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، وهذا الحديث هو الذي يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم قولاً يدل على السلب الكلي المناقض للإيجاب الجزئي الذي يثبته حديث ابن عمر،وهذا الحديث رواه الطحاوي في شرح الآثار ".

وذلك لوجود تفاوت بينهما، مع أن اللفظ يكون أقرب إلى اللفظ الأول من الثالث، لأنه لا يفيد السلب الكلي كما يدل عليه الثالث، إلا أن الأول كان بالفعل،والثاني بالقول.

وفي الحقيقة أن الذي أعله ابن المبارك هو حديث سفيان بلفظ " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة "، وأنه حين أعله ساقه مختصراً، وهذا كل شيء فيما يخص تعليل ابن المبارك،ولذا نرى النقاد: كالبخاري وأبي داود وأبي حاتم وغيرهم، يعلون حديث ابن مسعود الذي حسنه الترمذي بحيث يزيل الغموض الذي وقع في تعليل ابن المبارك لذلك الحديث، ثم إن ابن القطان الفاسي والشيخ ابن دقيق العيد والزيلعي يعتقدون أن الحديث الذي أعله ابن المبارك إنما هو الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه، بخلاف ما فهمه المعلق تماماً، كما يتضح ذلك من النصوص التي أوردها في نصب الراية، وأسردها فيما يلي:

أولاً: يقول الزيلعي بعد أن ساق حديث ابن مسعود " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة " من طريق سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة:

" اعترض على هذه الحديث بأمور؛ منها: ما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين "

وهذا يدل بصراحة على أن ابن المبارك إنما أعلّ الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه، وفيه فعل ابن مسعود محاكياً فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: يقول ابن القطان الفاسي: ذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: حديث وكيع لا يصح، والذي عندي أنه صحيح، وإنما النكر فيه على وكيع زيادة ثم لا يعود.

ثم عقبه الزيلعي،وقال: قد تابع وكيعاً على هذه اللفظة عبد الله بن المبارك كما رواه النسائي.

وهذا واضح أيضاً أن الحديث الذي أعله ابن المبارك هو الحديث الذي سبق ذكره في مستهل كلام الزيلعي، وهو الذي بعينه رواه ابن المبارك كما في سنن النسائي (1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير