تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثاً: يقول البخاري: ويروى عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب، فذكره بسنده ومتنه، قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب، فلم أجد فيه ثم لم يعد، قال البخاري: وهذا أصح؛ لأن الكتاب أثبت عند أهل العلم. وقال الزيلعي:" فجعل الوهم فيه من سفيان".

وهذا أيضاً دليل على أن البخاري وأحمد ويحيى بن آدم جميعهم أعلنوا ذلك الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه.

رابعاً: يقول ابن أ [ي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر فرفع يديه، ثم لم يعد، فقال أبي: هذا خطأ، يقال: وهم فيه الثوري، فقد رواه جماعة عن عاصم، وقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق، فجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما روى الثوري " ثم تعقبه الزيلعي وقال: " فالبخاري وأبو حاتم جعلا الوهم فيه من سفيان،وابن القطان وغيرهم يجعلون الوهم من وكيع.

وهذا دليل واضح على أن الذي أعله أبوحاتم هو الحديث الذي أورده الزيلعي في مستهل كلامه، وهو الذي رواه الترمذي وحسنه. وإن كان اللفظ الذي ذكره ابن أبي حاتم مغايراً لسياق ذلك الحديث فإن ذلك لا يعنى أنه أراد بسؤاله هذه اللفظ فحسب، لأنه أورده مختصراً لغرض سؤاله لأبيه عنه كعادته في الكتاب، وهو الذي وقع بعينه من ابن المبارك سابقاً، وهذا التغاير بين الروايات لحديث سفيان لا يعني بالضرورة تعدد القصة، وأن سفيان قد حدّث بها جميعاً في أوقات مختلفة،وللنقاد في معالجة ذلك منهج علمي واضح يقوم على خلفية حديثية واسعة يتميزون بها عن الآخرين.

ومن هنا نقول إن العقل المجرب في مجال ما،غير الحديث والرواية لا يكون متأهلاً لمزاحمة صفوف النقاد أصحاب العقول المجربة في الحديث،وإلا ستكون العواقب خطيرة، حيث تؤدي إلى طمس معالم النقد عند المحدثين النقاد تدريجياً،و ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.

وبما أن الفقهاء المتأخرين أئمة في مجال الفقه دون نزاع، فلا يعني بذلك أنهم أئمة في الحديث، يملكون منهجاً في التصحيح والتضعيف يوازي منهج المحدثين النقاد الأوائل في ذلك، بحيث يسمح للأحقين بحرية الاختيار بينهما، كلا، ثم كلا، فلكل علم أسرار وخصائص ومصطلحات لا يعرفها إلا أصحابه المجربون في ذلك العلم.

وعلى هذا الأساس أعل النقاد قاطبة حديث سفيان عن عاصم كلمة: " فلم يرفع يديه إلا في أول مرة "،وفي طليعتهم ابن المبارك، الذي لم يروِ الحديث عن سفيان إلا بالسياق الذي رواه الترمذي وحسنه، وهو حكايته بصلاة ابن مسعود صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قال ابن المبارك: " قد ثبت حديث من يرفع يديه، وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يرفع يديه إلا في أول مرة " (1) حيث جعل حديث ابن مسعود النافي لرفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام بمقابل حديث ابن عمر المثبت رفع اليدين.

واتضح من سياق هذا النص قصد ابن المبارك هو الترجيح بين الرواية النافية لرفع اليدين وبين المثبته له، عموماً،ومن اجل هذا أشار إلى حديث ابن مسعود وابن عمر بسياق مختصر. وبالتالي لا يفهم من هذا الاختصار أنه أراد بالتعليل اللفظ الذي ذكره مختصراً فقط، مع أن حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا في أول مرة " لم يعرف بهذا اللفظ عن سفيان أصلاً،ولا عن أصحابه: وكيع وابن المبارك وغيرهما. كما رأينا في النص نفسه كيف ساق ابن المبارك حديث ابن عمر مختصراً كذلك اختصر حديث ابن مسعود.

هذا كله إذا سلمنا بوجود تفاوت في المعنى بين اللفظ الذي ساقه ابن المبارك عند التعليل وبين اللفظ الذي رواه عن سفيان،وفي الواقع أنه لا يوجد تفاوت أصلاً، لأن ابن مسعود كان يعلم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يرفع فيها اليدين إلا في تكبيرة الإحرام،ويبين لهم أن هذه هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، كما جاء عن ابن المبارك عند التعليل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير