وقال الصنعانيُّ في الرسالةِ التي أشار إليها العلامةُ الألباني - رحم اللهُ الجميع - (ص 116): " وأقولُ: قد عرفت أنهُ نقل عن ستةٍ من الصحابةٍ عباراتٌ لا تدلُ على مدعاهُ، وهو فناءُ النارِ بنوعٍ من الدلالاتِ كما أوضحناهُ، ولا يصحُ نسبتهُ لتلك الدعوى إلى واحدٍ من أولئك الستةِ، فلم يوجدْ لأحدٍ مما وجدنا عن واحدٍ من الصحابةٍ أنه يقولُ بفناءِ النارِ كما أنهُ لا يوجدُ قائلٌ من الصحابةِ أنه يقولُ بعدمِ فناءِ النارِ فإن هذه المسألةَ وهي فناءُ النارِ لا تعرفُ في عصرِ الصحابةِ، ولا دارت بينهم، فليس نفي ولا إثباتٌ، بل الذي عرفوهُ فيها هو ما في الكتابِ والسنةِ من خلودِ أهلِ النارِ أبداً، وأن أهلها ليسوا منها بمخرجين، وعرفوا ما ثبت من خروجِ عصاةِ الموحدين.
إذا عرفت هذا عرفت أن دعوى فناءِ النارِ أو عدمِ فنائها قولٌ للصحابةِ، دعوى باطلةٌ، إذ هذه الدعوى لا توجدُ في عصرهم، حتى يجمعوا عليها نفياً أو إثباتاً. نعم القولُ الذي دل عليه القرآنُ من خلودِ النارِ أهلها فيها أبداً يتضمنُ القولَ عنهم بما تضمنهُ القرآنُ ودل عليه الأصلُ فيما أخبر اللهُ به عن الدارين الأخروينِ البقاء فلا يحتاجُ مدعي عدم الفناء إلى الدليلِ على ذلك الأصل ".ا. هـ.
الآثارُ الواردةُ عن السلفِ والحكمُ عليها:
1 - عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ: " لَوْ لَبِثَ أَهْل النَّار فِي النَّار عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ لَكَانَ لَهُمْ يَوْم يَخْرُجُونَ فِيهِ ".
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتحِ " (11/ 429): " أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيره ... وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ".
وقال الصنعاني في " رفعِ الأستار " (ص 65): " من حيثُ الروايةُ فإنهُ منقطعٌ، لنصِ شيخِ الإسلامِ - يقصدُ ابنَ القيمِ - بأنهُ لم يسمعهُ الحسنُ من عمرَ، واعتذارهُ بأنهُ لم يصح للحسنِ عن عمرَ لما جزم به يلزم أن يجري في كلِ مقطوعٍ يجزمُ بهِ راويهِ ولا يقولُ هذا أئمةُ الحديثِ كما عرفت في قواعدِ أصولِ الحديثِ، بل الانقطاعُ عندهم علةٌ ".ا. هـ.
وقد ردّ العلامةُ الألباني - رحمه اللهُ - على تصحيحِ ابن القيمِ لهذا الأثرِ في " الضعيفةِ " (606) فقال: " وإن مما يجبُ الوقوفُ عنده، وتحقيقُ القولِ فيه ما ذكرهُ ابنُ القيمِ في " حادي الأرواحِ إلى بلادِ الأفراحِ " من روايةِ عبدِ بنِ حميدٍ قال: " بإسنادين صحيحينِ له عن الحسنِ قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ ... فذكرهُ.
ذكر ذلك في تفسير قولهِ تعالى: " لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا " [النبأ: 23]. وقال ابنُ القيمِ: " وحسبك بهذا الإسنادِ جلالةً، والحسنُ وإن لم يسمع من عمرَ، فإنما رواهُ عن بعضِ التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمرَ لما جزم به وقال: " قال عمرُ بنُ الخطابِ ".
قلتُ: هذا كلامٌ خطابيٌّ، أستغربُ من صدورهِ من ابنِ القيمِ رحمهُ اللهُ. لأنه خلافُ ما هو مقررٌ عند أهلِ الحديثِ في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ: أنهُ المسندُ المتصلُ بروايةِ العدلِ الضابطِ.
فإذا اعترف بإنقطاعهِ بين الحسنِ وعمرَ، فهو منافٍ للصحةِ بله الجلالةِ! وخلافُ المعروفِ عندهم من ردهم لمراسيلِ الحسنِ البصري خاصةً، ولذلك قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في أثرِ الحسنِ هذا نفسهِ: " فهو منقطعٌ، ومراسيلُ الحسنِ عندهم واهيةٌ، لأنه كان يأخذُ من كلِ أحدٍ ... ".ا. هـ.
وقال العلامةُ الألباني في تحقيقهِ لكتابِ " رفعِ الأستارِ " (ص 65): " قلتُ: إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ ".
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتحِ " (11/ 429) على فرضِ ثبوتِ الأثرِ عن عمر: " قُلْت: وَهَذَا الْأَثَر عَنْ عُمَر لَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ ".ا. هـ.
2 - عَنْ اِبْن عَبَّاس: " قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم " قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الْآيَة آيَة لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم عَلَى اللَّه فِي خَلْقه أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّة وَلَا نَارًا ".
¥