تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[معنى " الإله " عند الأشعرية]

ـ[محمد براء]ــــــــ[30 - 11 - 09, 02:56 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية معرفة مدلول هذه الكلمة " الإله " لا تخفى، إذ عليها ينبني تفسير كلمة التوحيد.

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله تعالى: "جميع العلماء من المفسرين، وشراح الحديث والفقه وغيرهم يفسرون الإله بأنه المعبود، وإنما غلط في ذلك بعض أئمة المتكلمين، فظن أن الإله هو القادر على الاختراع، وهذه زلة عظيمة، وغلط فاحش، إذا تصوره العامي العاقل، تبين له بطلانه، وكأنَّ هذا القائل، لم يستحضر ما حكاه الله عن المشركين، في مواضع من كتابه، ولم يعلم أن مشركي العرب، وغيرهم، يقرون بأن الإله هو القادر على الاختراع، وهم مع ذلك مشركون.

ومن أبعد الأشياء: أن عاقلاً يمتنعُ من التلفظ بكلمة يقرُّ بمعناها، ويعترف به ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، هذا ما لا يفعله من له أدنى مسكة من عقل.

قال أبو العباس رحمه الله تعالى: ليس المراد بالإله هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين، حيث ظن أن الألوهية هي القدرة على الاختراع، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع، دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا الله، فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد، كما قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) [الزمر: 38] وقال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون) الآيات [المؤمنون: 84 - 89] وقال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) [يوسف: 106]

قال ابن عباس: تسألهم، من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره.

وهذا التوحيد، من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك، الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لابد أن يخلص لله الدين، فلا يعبد إلا إياه، فيكون دينه لله، والإله، هو المألوه، الذي تألهه القلوب، فهو إله بمعنى مألوه لا بمعنى آله. انتهى - أي كلام شيخ الإسلام -.

وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه لكتاب التوحيد: " المتكلمون الأشاعرة والمعتزلة ومن ورثوا علوم اليونان قالوا: إن كلمة (إله) هي بمعنى فاعل؛ لأن فِعَال تأتي بمعنى مفعول أو فاعل، فقالوا هي بمعنى آلِهْ والآلِهُ هو القادر، ففسروا الإله بأنه القادر الاختراع، ولهذا تجد في عقائد الأشاعرة ما هو مسطور في شرح العقيدة السَّنوسية التي تسمى عندهم بأم البراهين قال مانصه فيها: الإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه. قال فمعنى لا اله إلا الله لا مستغنيا عما سواه و لا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، ففسروا الألوهية بالربوبية، وفسروا الإله بالقادر على الاختراع أو بالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه.

وبالتالي يقدرون الخبرموجود لا إله موجود؛ يعني لا قادر على الاختراع والخلق موجود إلا الله, لا مستغنيا عما سواه ولا مفتقرا إليه كل ما عداه موجود إلا الله؛ لأن الخلق جميعا محتاجون إلى غيرهم.

وهذا الذي قالوه هو الذي فتح باب الشرك في المسلمين؛ لأنهم ظنوا أن التوحيد هو إفراد الله بالربوبية، فإذا اعتقد أن القادر على الاختراع هو الله وحده صار موحدا، إذا اعتقد أن المستغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه هو الله وحده صار عندهم موحدا، وهذا من أبطل الباطل أين حال مشركي قريش الذين قال جل وعلا فيهم ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ? [العنكبوت:61] وفي آية أخرى?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ? [الزخرف:9]، ونحو ذلك من الآيات وهي كثيرة كقوله ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ? [يونس:31 - 32] الآيات من سورة يونس, هذا معلوم أن مشركي قريش لم يكونوا ينازعون في الربوبية ".

قلت: وقد وجدت نسبة هذا القول للأشعرية كافة في رسالة للشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب فتح المجيد، وعلامة وقته، رحمه الله تعالى في الدرر السنية (1/ 320 - 321).

ورجعت إلى بعض كتب الأشعرية فوجدت أن نسبة القول هكذا إليهم قاطبة غلط ظاهر، ففي المواقف للعضد الإيجي وشرحه (3/ 314 - 315) في تفسير لفظ الجلالة: " (وهو من ألَه) بفتح اللام، أي: عبد، وهو المراد بقوله: (إذا تعبد). (وقيل) الإله (مأخوذ من الوله وهو الحيرة ومرجعهما صفة إضافية) هي كونه معبودا للخلائق ومختاراً للعقول (وقيل:) معنى الإله (هو القادر على الخلق) فيرجع إلى صفة القدرة، وقيل: هو الذي لا يكون إلا ما يريد. (وقيل: من لا يصح التكليف إلا منه فمرجعه) على هذين الوجهين (صفة سلبية) فعلية".

قلت: والقول الأول رجحه إمام الأشعرية المتأخرين ابن الخطيب في تفسيره في أكثر من موضع، وصرح بتضعيف القول الثالث، فقال في تفسير قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ: " قوله: (وإلهكم): يدل على أن معنى الإله ما يصح أن تدخله الإضافة، فلو كان معنى الإله القادر لصار المعنى وقادركم قادر واحد، ومعلوم أنه ركيك فدل على أن الإله هو المعبود ".

فالحاصل أن تفسير الإله بـ" القادر على الاختراع " لا تصح نسبته إلى الأشعرية قاطبة، وإنما يقال: هو قول بعض أئمة المتكلمين كما قال شيخ الإسلام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير