ولا يُتصور من مثلي أن ينفي الطابع الديني عن المعركة بيننا وبين اليهود، وأنا أنادي في كتبي وفي محاضراتي وفي فتاواي وخطبي منذ سنين طويلة بفرضية الجهاد من أجل فلسطين، وضرورة (إسلامية) المعركة، وأننا لم نُهزم إلا أننا دخلناها عرباً ولم ندخلها مسلمين.
ويمكن أن يراجع من يشاء كتبي: درس النكبة الثانية، الحلول المستوردة، أولويات الحركة الإسلامية وغيرها، وكذلك فتاويّ حول الصلح مع إسرائيل، وعن زيارة القدس والصلاة في الأقصى في ظل الاحتلال، والمشاركة في انتخابات الكنيست، وردودي على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وغيرها، ليعرف منه حقيقة موقفي من إسلامية المعركة مع الصهيونية الباغية المغتصبة.
هل هناك أصول مشتركة بيننا وبين أهل الكتاب؟
ثالثاً: أثار الأخ الشباني زوبعة حول ما نقل عني أني قلت معقباً على موقف جارودي ما معناه: لا مانع من وقوف أتباع الديانات السماوية في خندق واحد، أي في مواجهة الإلحاد والإباحية، وقد يختلفون في بعض الأمور، ولكن بينهم من الأصول المشتركة ما يجمعهم ضد الذين ينادون بوحدانية الدولار، ووحدانية السوق، ويعتبرون أنه (لا إله إلا المادة).
أنكر الأخ الكاتب هذا القول، وزعم أنه يناقض أصول الإسلام وحقائق التوحيد .. وقال: ليس بيننا وبين اليهود والنصارى أي أصول مشتركة، فهم مشركون كفرة، وقد حكم الله عليهم بالكفر .. إلخ
ولو كان ما قاله الكاتب صحيحاً، لم يكن هناك معنى ولا مبرر لأن يميزهم الإسلام عن غيرهم من سائر الكفار، ويعتبرهم (أهل كتاب) وأهل دين سماوي ويناديهم: [يَا أَهْلَ الكِتَابِ] [آل عمران: 64] وأن يقول القرآن فيهم: [وَطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ... ] [المائدة: 5] فأباح مؤاكلتهم ومصاهرتهم، والمصاهرة أحد الرابطين الأساسين بين البشر [وَهُوَ الَذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً] [الفرقان: 54].
فكيف أجاز للمسلم أن تكون شريكة حياته، وربة بيته، وأم أولاده من أهل الكتاب؟ ومن لوازم ذلك: أن يكون أبو زوجته الكتابية وأمها جدين لأولاده، وإخوانها أخوالهم، وأخواتها خالاتهم، ولهؤلاء جميعاً وأولادهم حقوق الأرحام وذوي القربى؟
ولا ريب أنهم كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم غير (المشركين) أو (الذين أشركوا) [6] فهم صنف آخر يذكر معطوفاً عليهم في القرآن، والعطف يقتضي المغايرة، كما في قوله تعالى: [مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ] [البقرة: 105] , وقوله: [لَمْ يَكُنِ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حََتَّى تَاًتِيَهُمُ البَيِّنَةُ] [البينة: 1]، [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا] [البينة: 6]، [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ] [الحج: 17].
فدلّت هذه الآيات الكريمة على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى غير المشركين الذين ذكرهم القرآن، ويقصد بهم عباد الأوثان، كما كان عليه مشركو العرب.
ولو لم يكن هناك أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب ما أجاز للمسلمين أن يصاهروهم، ولحرم ذلك عليهم كما حرم مصاهرة المشركين، حيث قال: [وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ] [البقرة: 221].
والواقع أنه توجد أصول مشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب في الجملة [7]، منها: الإيمان بالله، والإيمان بوجوب التعبد له، والإيمان بالنبوة والوحي، والإيمان بالآخرة، والإيمان بالقيم الأخلاقية. ومن ثم يمكن أن يقف هؤلاء مع المسلمين في خندق واحد، لمقاومة النزعات الإلحادية، ودعوات الانحلال والإباحية، والوقوف في وجه المظالم والاعتداءات البشرية.
¥