تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا ما جعل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والفاتيكان يقفون في صف واحد في مؤتمر السكان الذي انعقد بالقاهرة في صيف سنة 1994م ضد دعاة الإجهاض والإباحية الجنسية.

وهو ما جعل الكثيرين يرحبون بالحوار الإسلامي المسيحي [8]، كما فعل ذلك وفد رابطة العالم الإسلامي برئاسة أمينها العام الشيخ محمد علي الحركان، وعدد من الأساتذة الكبار، حيث ذهبوا إلى الفاتيكان، وحاوروا كبار أساقفته، ووصلوا إلى نتائج مهمة سجلوها في كتاب نشرته الرابطة.

وكذلك قام حوار في ليبيا شارك فيه عدد من الشيوخ والمفكرين المسلمين، وقُدِّمت فيه بحوث من كلا الطرفين في أربعة موضوعات محددة، وانتهوا إلى توصيات مشتركة، أعتقد أنها نافعة.

ولو كان أهل الكتاب كالمشركين الأقحاح سواء بسواء كما يقول الأخ المعقب لما حزن المسلمون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة حين انتصر الفرس وهم مجوس يعبدون النار ويقولون بإلهين اثنين على الروم، وهم نصارى أهل كتاب، على عكس ما كان عليه المشركون من أهل مكة، الذين فرحوا بانتصار الفرس على الروم، معتبرين أن الروم أهل كتاب، فهم أقرب إلى المسلمين من المجوس.

وقد نزل في ذلك قرآن يتلى يبشر المسلمين بأن هذه الغلبة للفرس لن تدوم، وأن اتجاه الريح سيتغير لصالح الروم في بضع سنين، وقال تعالى: [الّم) (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ] 4 [بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ] [الروم: 1 - 5].

إن القرآن الكريم أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأن نركز على القواسم المشتركة بيننا وبينهم، لا على نقاط التمايز والاختلاف، يقول تعالى: [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] [العنكبوت: 46].

وما أحوج الدعاة اليوم إلى هذا الأدب القرآني في عصر تقارب فيه العالم حتى أصبح قرية كبرى كما قال بعض الأدباء، وأنا أقول: إنه أصبح قرية صغرى، نتيجة ثورة الاتصالات، ورسالة الدعاة اليوم يجب أن تركز على تبليغ دعوة الإسلام إلى العالم بلغاته المختلفة عبر الإذاعات الموجهة، والأقمار الصناعية، والرسائل المكتوبة، وترجمة معاني القرآن إلى الألسنة المختلفة، وهذا هو الجهاد الأول اليوم، وهذا كله قد أخفق فيه المسلمون إخفاقاً بيناً، ولكنهم نجحوا في استفزاز الآخرين وإيغار صدورهم، وتخويفهم من ظهور الإسلام، الذي لن يعاملهم إلا بسل السيف على رقاب الجميع، وإعلان الحرب على البشرية كلها [9].

أسأل الله أن يرزقنا فقه الدعوة، وفقه الفتوى، حتى نفرق بين الثوابت والمتغيرات، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال وغيرها، فالدعوة وأساليبها أوْلى بالتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(1) البخاري، ج1، كتاب الإيمان، ص 13، باب 23، البخاري، ج6، كتاب تفسير القرآن،
ص20، ح/31، ج8، كتاب استتابة المرتدين، ص 48.
(2) أحمد، ج2، ص 381، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، ج8، ص 18، صححه الحاكم، ج2، ص 613، ووافقه الذهبي، البخاري في الأدب المفرد رقم 374، ص 105، صحيح الجامع، ج2، رقم 2345.
(3) جاء في مدارج السالكين (2/ 307): (الدين كله خُلُق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين وكذلك التصوف؛ قال الكتاني: التصوف هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، فقد زاد عليك في التصوف) وعلى كلٍّ فإن مصطلح (التصوف) فيه إجمال واشتراك، فيحتاج إلى تفصيل، كما حرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 28، 29) والشاطبي في الاعتصام (1/ 265)، فقد يطلق التصوف على ما يحبه الله ورسوله من زهد وورع، كما يطلق على ما يكرهه الله ورسوله من البدع الحادثة والمنكرات الظاهرة.
(4) مدارج السالكين، ج2، ص 307.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير