بالطبع على مستوى الصنعة، ومِن هنا كان رأيي في ترجمة هذا الهالِك.
والأمثلة التي ذكرتُها تُظهِر ما أشير إليه: ففي ترجمة الآية 21 مثلاً ترجم يوسف علي قوله تعالى {أذقنا} حرفياً إلى make taste يعني: يُذيق (مِن التذوُّق). وترجم {مسَّتهم} إلى touched يعني: لَمَسَ (مِن اللَّمس). وهما عند خليفة bestow يعني: يَهَب ويَمنح، و afflicted يعني: ابتلى وأصاب، على التوالي. وترجم يوسف علي قوله تعالى {ما تمكرون} إلى all the plots that ye make وعند خليفة everything you scheme وهي أكثر تماسكاً.
وفي الآية 24 ترجم يوسف علي قوله تعالى {مَثَل} إلى likeness يعني: شَبَه. وعند خليفة analogy يعني: الثمثيل والتشبيه. وترجم يوسف علي قوله {الحياة الدنيا} إلى the life of the present يعني: حياة الحاضِر، وعند خليفة the worldly life يعني: الحياة الدنيوية، وهي الصيغة الأوقع والأكثر انتشاراً. وترجم يوسف علي قوله سبحانه {وظنَّ أهلها أنهم قادرون عليها} إلى: the people to whom it belongs think they have all powers of disposal over it يعني: يظنّ الناس الذين تنتمي إليهم أنّ لديهم كل سُلطات التصرُّف فيها. وعند خليفة: its people think that they are in control thereof يعني: يظنّ أهلها أنهم متحكّمون فيها. وترجم يوسف علي قوله {أمرُنا} إلى command بمعنى إصدار الأمر، وعند خليفة: judgment يعني: القضاء.
وليس في تناولنا لترجمة هذا الهالك مدحٌ له، بل ننظر في ترجمته ونقول ما لها وما عليها بحسب ما وقفنا عليه. وحديثي في الشقّ الفنّي ليس ذا صلةٍ بعقيدة الرجل، وقد فصَّلنا قبلُ ذلك الأمرَ.
والغرض من الإشارة إلى حديث الجساسة: أنك كتبت فيه ما يعادل عشرات الصفحات، بينما تعتذر ههنا بالأشغال وضيق المجال. حديث الجساسة أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، فلا يجوز التكلُّم فيه في بضعة أسطر! فللشيخَين مكانتهما العظيمة، ولا يُتكلَّم فيما أخرجاه - أو أحدهما - إلا بتفصيلٍ وبرهانٍ وليس بالتذوق الشخصي! ولذلك لا أرى رابطاً بين موضوعنا هنا وموضوع حديث الجساسة، لأنّ كليهما مختلفٌ عن الآخَر وينتمي إلى فنٍّ غيرِ الآخَر ويترتّب عليه ما لا يترتّب على الآخَر.
وإنَّ الوقت الذي أقضيه في نقاشٍ حول حديثٍ مَرْويٍّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلَّم، أحبُّ إليَّ مِن الحديثِ عن رأيٍ شخصيٍّ في مسألةٍ ثانويةٍ. فهذا أقتطع مِن وقتي لأجله، وذاك قد أفتُر عن متابعته فأنساه. هذا أطرح فيه التساؤلات وأناقش فيه أهل العِلم وأعرضُ ما وقفتُ عليه، وذاك لا يثيرني أن أتعمق فيه ولا يضيرني إن أُهمِل. هذا أستفيد فيه وأتعلم مِمَّن أناقشهم وأتثبَّت مِمَّا عندي، وذاك قد ينجرف بي إلى الإعراض عن آراء الآخرين.
وأما الخلط فأعتقد أن الذي يصف الترجمة بالممتازة، ويقرِّر مع ذلك أنها تحتوي على معاني الردَّة والضلال والزندقة، هو الذي يحتاج إلى شرح موقفه
وامتياز الترجمة هو أن تؤدي المعنى بدقة، ثم تأتي النواحي الأسلوبية والجمالية بعد ذلك
ومن غير المعقول أن يكون للمترجم أجندة فاسدة (وهي إثبات نبوة نفسه)، وتكون ترجمته ممتازة، لأن الأجندة ستفرض نفسها على النص بكامله
والأعمال العلمية تُرفض لأقلَّ من ذلك
إلا أن تقول: الامتياز هو في القيمة الأدبية للنص لا غير
ولكن رشاد خليفة غير مشهور بالإبداع الأدبي، لا بالعربية ولا بالإنجليزية، وليس لكلامه أي قيمة أدبية فيتزجيرالد قام بترجمة رباعيات الخيام إلى الإنجليزية ترجمةً شِعريةً خلاّبةً، ومع ذلك فقد حرَّف وتصرَّف. فالإشادة بجودة العمل المترجَم لا يمتنع معها التنبيه على ما وقع فيه مِن أخطاء، وليس في ذلك خلط.
وأمّا بخصوص ما استعرضتَه - حفظك الله - مِن ترجمة رشاد خليفة لآية {وما علمناه الشعر}، فأراه صحيحاً في معظمه، وإن كان لي تعليقٌ على قولك: "عبارة ( nor is he) غير صحيحة نحويًّا، لأن الخبر محذوف مع أنه غير مذكور سابقاً، فرقَّعها بقوله بين قوسين ( a poet). وكله خطأ على خطأ على خطأ، وعبارة الأصل (وما ينبغي له) في غاية الوضوح. وليس في الآية لفظة (شاعر) ". اهـ فأولاً: ما وجه الخطأ النحوي هنا؟ وثانياً: العبارة الواحدة قد تتنوّع صياغاتها في الترجمة، فتظهر فيها بعض الألفاظ الزائدة. فإن كانت كلمة poet عند خليفة ليست في الآية، فكلمة the
¥