تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلالُ

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبالُ

ولم نستفد في بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ثم يقول: ((لقد تأملت الطرق الكلامية، والمباحث الفلسفية، فرأيتها لا تروى غليلاً، ولا تشفي عليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)) انتهى ملخصًا.

وكذا نقل عن ابن الجويني والشهرستاني وغيرهما الندم عند الموت، وقال بعضهم: ((والله لا أدري ما أعتقد)) وقال بعضهم: ((أموت وما عرفت شيئًَا) وقال بعضهم: ((أكثر الناس شكًا عند الموت أهل الكلام)).

وإذا كان كذلك فإن الصحابة وسلف الأمة لم يزالوا على عقيدة راسخة باعتقاد إثبات صفات الله تعالى، وأنه يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فلا يتجاوز القرآن والحديث، وقد انتبه لذلك علماء الأمة، وكتبوا في ذلك العقائد والمؤلفات الكثيرة، كالبخاري رحمه الله، ابتدأ كتابه بعد المقدمة بكتاب الإيمان، وختمه بكتاب التوحيد، وذلك فيه الأدلة الكثيرة على إثبات الصفات، كالاستواء على العرش، والمجيء لفصل القضاء، وإثبات الوجه واليد والعين والقدم لله تعالى، كما يليق به، وإثبات الغضب والرضا، والكراهة والبغض، والمحبة والفرح، وغير ذلك من الصفات وإثبات السمع والبصر، والقدرة، والكلام، وأن القرآن كلام الله، حروفه ومعانيه، وهكذا مسلم في مقدمة صحيحه: كتاب الإيمان، ذكر فيه ما ثبت عنده من صحيح السنة، روى ذلك بأسانيده الثابتة، وبرجال ثقات، ومن جملة ذلك ما يتعلق بصفات الله تعالى، وكذا ابن ماجه، والدارمي، وأبو داود، والترمذي في سننهم، وكتب في ذلك أهل زمانهم كما في السنة لابن أبي عاصم، والسنة للخلال، والشريعة للآجري، وشرح فصول اعتقاد أهل السنة لللاكائي، والإبانة لابن بطة، وغيرها كثير من كتب المتقدمين، وسموا كتبهم بأسماء تدل على العقيدة، كالتوحيد لابن خزيمة، وهو إمام الأئمة، والتوحيد لابن مندة، والإيمان له، وشرح السنة للبربهاري، فهؤلاء أئمة السلف الذين كتبوا فيما يتعلق بالعقيدة.

ولما كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تسلط على الرافضة، ورد عليهم في كتابة: (منهاج السنة) أراد الرافضة في كل زمان أن يحملوا عليه، وأن يكفروه، ويضللوه، ورموه بما هو بريء منه، كالتجسيم والتشبيه والتحيز ونحو ذلك، ولا ذنب له إنما هو متبع لمن قبله ومستدل بالأدلة الصحيحة الصريحة، فإثبات اليد لله قد دل عليها القرآن، ودلت عليها الأحاديث، مثل قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فمن رد هذه الصفة فقد رد على الله، ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إن الله يقلب السموات بيمينه، والأراضين بيده الأخرى ثم يهزهن ويقول: أنا الملك أين ملوك الأرض"، فمن رد على هذه الصفة فإنما رد على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وليس رده على ابن تميمة فقط، فإن هذه الصفة وغيرها قد تقبلها المسلمون ودانوا بها، واعتقدوها كما يليق بالله، ونفوا عنها التشبيه والتمثيل، وإنما ردها المعتزلة، والمعطلة، والفلاسفة، ومن تابعهم، ولم يستطيعوا أن يردوا على سلف الأمة، فنقول لهم: ردوا على كتب السلف التي ذكرناها آنفًا، ولم تستطيعوا إلى ذلك سبيلاً.

أما إثبات اليد فقد قال تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، فجعل من فضيلة آدم أنه خلقه بيديه، أما بقية المخلوقات كالحيوانات والحشرات والجراثيم والفراشات فخلقها بكلامه، ففي الحديث القدسي أن الله يقول: "لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان"، وهكذا لا يلزم أن الله لما خلق آدم بيده أن يوصف الرب تعالى بأن يده تنجست – سبحانه عما لا يليق به – ولا يجوز التفكير في كيفية صفاته، كذاته وعينه ويده، فقد قال بعض السلف: ((تفكروا في المخلوق ولا تتفكروا في الخالق))، فنحن نعتقد أن الله هو الإله الواحد الأحد، ليس له شريك ولا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير