ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان ... " ا. هـ
وقال أيضاً:
" لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا. هـ انظر الرد على الجهمية
وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار
د ـ الحد بمعنى الجهة.
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحد الذي أثبته الأئمة ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو بمعنى الجهة وسياق الآثار يحتمله بل منها ما يجعله وجيها حسب عبارة صاحبها والله أعلم
والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه.
أبرز ما تعلق به المفوضة في إلصاق مذهبهم بمذهب السلف
لقد أثبتنا لك أخي الكريم تقرير السلف الصالح وأئمة السنة إثباتَ الصفات الخبرية بمعانيها الظاهرة دون تفويض لمعانيها ولا تأويل، وذلك من خلال صريح عباراتهم وتطبيقاتهم الثابتة المتضافرة عبر آثارهم وأقوالهم بصورة لا تدع مجالا للشك بما اجتمعت عليه من إثباتٍ لهذا الأصل.
وأظن أن هذا كاف لحسم هذه القضية وتبرئة السلف مما نسب إليهم من مذهب التفويض الذي هو مذهب نفاة الصفات من متكلمي الأشاعرة.
كيف لا والسلف الصالح بشحومهم ولحومهم قد نقضوا هذه الدعوى ونفوها عن أنفسهم عندما أثبتوا معاني الصفات.
وإذا علمنا أن إلصاق مذهب التفويض بالسلف مع كونه مجرد دعوى عارية عن أي دليل فهي إضافة إلى هذا إنما صدرت من جهة مشبوهة لم تُعرف يوما ما باتباع السلف ولا بتقيُّدها بما كانوا عليه لا في هذا الباب ولا غيره من أبواب العقيدة، بل هي جهة معروفة باتباع النقيض لمذهب السلف ألا وهو مذهب أهل الكلام الذي كان عامة السلف يحذرون منه وينفرون الناس عنه وعن أهله
وهذه الجهة التي أعنيها هي الأشاعرة.
وقارن على سبيل المثال مذهبهم في باب الإيمان ومسائله، وخبر الآحاد، وباب القدر ومسائله، وقضية خلق القرآن، والأفعال الاختيارية، ومعنى الإله، ومسألة أول واجب على العبد، والتشكيك في إيمان عامة الأمة بدعوى إبطال إيمان المقلد.
قارنه بمذهب السلف لتعرف قدر السلف عند هؤلاء ومقدار تقيدهم بهم وكيف أنهم في واد والسلف رحمهم الله في واد آخر، بل يفصل بين الواديين جبال عظيمة ومفازات مهلكة!
فكيف يقبل بعد هذا أن يكون خصوم مذهب السلف هم أولى الناس به وأتبع الناس له؟!!
ومما يؤكد أن هؤلاء المشبوهين الذين هم من أتباع المتكلمين ليسوا محل ثقة في النقل عن السلف أنهم لا يعرضون التفويض على أنه مذهب للسلف إلا على طاولة واحدة مع التأويل الذي لهج السلف بالنكير عليه وعلى أهله!! يعرضونهما على أنهما خطان متقاربان بل يصبان في مكان واحد!!
بل في كثير من الأحيان ينقل هؤلاء المشبوهون في الصفة الواحدة نفس التأويل الذي أنكره السلف بعينه كتأويل اليد بالقدرة أو الاستواء بالاستيلاء أو الوجه بالذات فينقله المشبوهون مقررين لذلك ويرفقون به الوجه الآخر وهو التفويض وينسبونه للسلف ويدعون أن القولين لا يتعارضان فالأول تأويل مفصل والثاني تأويل مجمل
أنا والله وبالله وتالله لم أر استخفافا بالعقول كهذا!
كيف يزعم هؤلاء بكل هذه الجرأة أن الذي كان ينكره السلف من تأويلات الجهمية هو مذهب يسير بمحاذاة مذهب السلف وأنه لا خلاف حقيقي بينه وبين مذهب السلف
هذا استخفاف له قرنان
إذًا دعوى أن السلف كانوا يفوضون الصفات بمعنى أنهم كانوا ينفون معانيها الظاهرة ويعتقدون أن ظاهرها غير مراد ولا يثبتون في المقابل معنى آخر لها معينا!
هذه الدعوى مع عدم قيام أي دليل على صحتها عنهم فهي إنما صدرت من مشبوه فلا يمكن أن يقبلها منصف!
وإضافة إلى هذا فهي دعوى تصادم واقع السلف مع النصوص مما يؤكد أنها ملفقة ضدهم.
فهاهي نصوص الصفات الخبرية قد بلغت مبلغا عظيما في العدد حتى اعترف بهذا هؤلاء المشبوهون أنفسهم فأين في موطن واحد عن واحد من السلف أنه ينكر هذه الظواهر أو ينادي بإلغائها؟!
¥