" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا. هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن أصل الحد عنده والذي بمعنى الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وإن كنت لا أرى التعبير بالحد مطلقا لإجماله ولعدم ثبوته في النصوص المرفوعة ولعدم اشتهاره بين السلف ولاستخدام المتكلمين له استخدامات مشتبهة ولكني بينت المراد منه لدى أصحابه
وعبارة الحد بمعنى التكييف والتشبيه قد يساء استعمالها في غير محلها كما هو الحال اليوم فإن المعطلة يتهمون كل مثبت للصفات بأنه قد حدد وشبه وهم إنما ينظرون بحدقة التعطيل التي تُصوّر لهم الأمور بناء على ذاك المبدإ.
كمن يلبس نظارة سوداء وينظر بها إلى أرض خضراء مفروشة بالعشب ثم إذا قيل له هذه خضراء، عارضَ وأنكر وزعم أنها يباب فأنى له أن يعترف بخضارها والسواد يغطي عينيه
قال المروذي
سمعت أبا عبد الله قيل له أي شيء أنكر على بشر بن السري، وأي شيء كانت قصته بمكة؟
قال: تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال إن قوما يحدون، قيل له التشبيه؟ فأومأ برأسه نعم
قال: فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج، وأراه كان صاحب كلام
نقله الثقة النبيل والمؤتمن الصدوق الإمام العدل الورع بقية السلف أحمد ابن تيمية في كتابه نقض التأسيس
ب ـ الحد بمعنى الإثبات البيِّن.
وقال الخلال:
" وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد:
ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء " ا. هـ
نقلا عن اجتماع الجيوش لابن القيم
وهذا التعبير بالحد على هذا المعنى غير مشتهر في استعمال العلماء وهو هنا مثبت عند الإمام أحمد وليس بمنفي
ج ـ الحد بمعنى البينونة.
روى الخلال في كتاب السنة: أخبرنا أبوبكر المروذي قال:
سمعت أبا عبدالله قيل له:
روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف الله عز و جل؟ قال على العرش بحد.
قال [أحمد]: " قد بلغني ذلك عنه " وأعجبه،
ثم قال أبو عبدالله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) ثم قال: (وجاء ربك والملك صفا صفا)
وقال الخلال:
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل:
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ - قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.
فقال أحمد: هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه -: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد
وقال الدارمي:
وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا؟
قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه
قيل: بحد؟ قال: بحد
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به
وانظر العلو للذهبي
وقال ابن بطة:
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ...
قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ...
وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد
وهو في السنة لعبد الله أيضا
وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 142)
" قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات "
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن
فقول ابن المبارك: " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات
قال الدارمي:
" ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
¥