تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبين الشيخ – رحمه الله تعالى – أن الواجب على المسلم إذا سمع وصفاً وصف به خالق السماوات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم أن يملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزّها معظما له جلّ وعلا، غير متنجس بأقذار التشبيه، فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدّح بها، وأثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، على غرار قوله: (ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير) [الشورى: 11]، والشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة الخائنة.

ومن القواعد أيضاً أن يقال: آيات الصفات ليست من المتشابه:

وقد ذكر الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – أن كثيراً من الناس يطلق على آيات الصفات اسم المتشابه، وهذا من جهة غلط، ومن جهة قد يَسُوغ كما بينه الإمام مالك بن أنس بقوله: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب ".

كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، واطرده في جميع الصفات؛ لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السماوات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أن ذات الخالق – جلّ وعلا – حق، والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق – جلّ وعلا – أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين.

ومن القواعد أيضاً أن يقال: ليس ظاهر الصفات التشبيه حتى تحتاج إلى تأويل:

المقرر في الأصول أن الكلام إن دل على معنى لا يحتمل غيره فهو المسمى (نصاً) كقوله تعالى: (تلك عشرةٌ كاملةٌ) [البقرة: 196]، فإذا كان يحتمل معنيين أو أكثر فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون أظهر في أحد الاحتمالين من الآخر، وإما أن يتساوى بينهما.

فإن كان الاحتمال يتساوى بينهما فهذا الذي يسمى في الاصطلاح: (المجمل) كما لو قلت: (عدا اللصوص البارحة على عين زيد) فإنه يحتمل أن تكون عينه الباصرة عوروها، أو عينه الجارية غوروها، أو عينه ذهباً وفضة سرقوها، فهذا مجمل، وحكم المجمل أن يتوقف عنه إلا بدليل يدل على التفصيل.

أما إذا كان نصا صريحاً، فالنص يعمل به، ولا يعدل عنه إلا بثبوت النسخ.

فإذا كان أظهر في أحد الاحتمالين فهو المسمى بـ (الظاهر)، ومقابله يسمى (محتملاً مرجوحاً)، والظاهر يجب الحمل عليه إلا لدليل صارف عنه، كما لو قلت: " رأيت أسداً " فهذا ظاهر في الحيوان المفترس، محتمل للرجل الشجاع.

وعلى ذلك فهل المتبادر من آيات الصفات من نحو قوله: (يد الله فوق أيديهم) [الفتح: 10] وما جرى مجرى ذلك هو مشابهة الخلق، حتى يجب علينا أن نؤول ونصرف اللفظ عن ظاهره؟ أو ظاهرها المتبادر منها تنزيه رب السماوات حتى يجب علينا أن نقره على الظاهر من التنزيه، والجواب: أن كل وصف أسند إلى رب السماوات والأرض، فظاهره المتبادر منه عند كل مسلم هو التنزيه الكامل عن مشابهة الخلق.

فإقراره على ظاهره هو الحق، وهو تنزيه رب السماوات والأرض عن مشابهة الخلق في شيء من صفاته. فهل ينكر عاقل أن المتبادر للأذهان السليمة أن الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته. لا والله لا يعارض في هذا إلا مكابر.

ومن القواعد أيضاً في الرد عليهم بيان حقيقة التأويل:

التأويل الذي فتن به الخلق، وضل به الآلاف من هذه الأمة يطلق في الاصطلاح مشتركاً بين ثلاثة معان:

1 - يطلق على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال، وهذا هو معناه في القرآن نحو قوله تعالى: (ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً) [النساء: 59]، (ولمَّا يأتهم تأويله) [يونس: 39]، (يوم يأتي تأويله يقول الَّذين نسوه من قبل) [الأعراف: 53]؛ أي ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال.

2 - ويطلق التأويل بمعنى التفسير، وهذا قول معروف كقول ابن جرير: القول في تأويل قوله تعالى كذا، أي تفسيره.

3 - أما في اصطلاح الأصوليين فالتأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لدليل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير