فعلى القول بأنّهما مستحبتان فلا شك في إجزاء ركعة الوتر عنها، إذ يجوز له الجلوس من غير أن يركع ركعتين أصلا، ودليل أصحاب هذا القول هو ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبيد الله 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال هل علي غيرها؟ قال (لا إلا أن تطوع). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصيام رمضان). قال هل علي غيره؟ قال (لا إلا أن تطوع). قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال هل علي غيرها؟ قال (لا إلا أن تطوع). قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلح إن صدق) البخاري (46) ومسلم (8)، فقالوا لاتجب هاتان الركعتان لهذا الحديث.
وعلى القول بوجوبهما كما هو مذهب بعض العلماء، لظاهر النهي الوارد في الحديث (فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) أخرجه مسلم برقم (714) وهو في الصحيحين بلفظ (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) البخاري برقم (433) ومسلم برقم (714) أيضا في نفس الموضع.
فهنا المسألة تحتاج إلى بحث، حيث ورد الحديث بلفظ لا يجلس حتى يسجد سجدتين أخرجه أبو داود، فقال: حدثنا القعنبي ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الرزقي عن أبي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس) سنن أبي داود (467)، وصححه ابن حبان (2497) والألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (442) رحمهم الله.
ولاشك أنّ في ركعة الوتر سجدتين، لكن مذهب أكثر العلماء أن المقصود بالسجدتين الركعتان، ففي الموطأ: أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يصلي قبل الظهرركعتين وبعدها ركعتين وبعد صلاة المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيسجد سجدتين) .... الموطأ (295)
وفي الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يبيت بذي طوى، بين الثنيتين، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة، وكان إذا قدم مكة حاجا، أو معتمرا، لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد، ثم يدخل فيأتي الركن الأسود، فيبدأ به ثم يطوف سبعا ثلاثا سعيا وأربعا مشيا، ثم ينصرف فيصلي سجدتين ..... البخاري (1678).
فتبيّن من ذلك أن إطلاق السجدتين يُقصد بهما الركعتان، فالمسألة كما ذكرت آنفا يختلف القول فيها باختلاف القول في حكم تحية المسجد، والعلم عند الله
القول الأظهر أن ركعتي تحية المسجد مسنونتان تأكُّداً، ومع هذا فلا تحصل هذه السنة بأداء ركعة ولا تجزئ عنهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين).
قال الإمام النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: وتحية المسجد ركعتان للحديث، فإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز، وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين، ولو صلى على جنازة أو سجد لتلاوة أو شكر أو صلى ركعة واحدة لم تحصل التحية، لصريح الحديث الصحيح، هذا هو المذهب. وحكى الرافعي وجها أنها تحصل لحصول عبادة وإكرام المسجد والصواب الأول. أهـ وبالله التوفيق
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[21 - 05 - 09, 05:32 م]ـ
الحمد لله أقول في عجالة لعل لمسألتنا هذه التفاتا إلى قضية أيهما يُغَلّب عند التقابل آلفظ أم المعنى. لأن لفظ ركعتين قاض بعدم إجزاء الركعة والمعنى دال على أن المقصود شغل البقعة بصلاة فصار المعنى أوسع من اللفظ وإذا دار الأمر بين اتباع اللفظ أو تغليب المعنى اتّبِع اللفظ احتياطا إلا إن قوي المعنى وظهر ظهورا يُصَيِّر المُخالف له في زمرة الظاهرية الجامدة الغالية.
وعلى سلوك طريق اتباع المعنى هنا يصير ذكر الركعتين من باب الجري على الغالب وإلى هذا جنح العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح صحيح البخاري وبالأول أي عدم إجزاء الركعة أفتى سماحة الوالد العلامة ابن باز رحمه الله تعالى. والله أعلم.
ـ[أبو وائل غندر]ــــــــ[21 - 05 - 09, 07:22 م]ـ
أحسنت أخي أبا عبد الله لفتة طيبة تدلّ عل فقه عميق،
إذن المسألة فيها سعة، فنحن ما دُمنا بين الإمام ابن عثيمين والإمام ابن باز رحمة الله عليهما، فلن نعدم خيرا فالحمد لله (ابتسامة).
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[11 - 06 - 09, 04:47 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم.