[هل بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية جائز أم لا؟]
ـ[عبد الوهاب الأثري]ــــــــ[22 - 06 - 09, 07:30 ص]ـ
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية.
أود الحديث عن مسألة مهمة تكلم فيها علماؤنا, وهي مسألة بيع المرابحة للآمر بالشراء, ولا أريد الحديث عن خلاف علمائنا في هذه المسألة, أو الضوابط التي وضعها من أجاز هذا العقد, مما لا يخفى على فقهاء هذا المنتدى المبارك, وإنما أريد الحديث عن مسألة مهمة تُشكل على من قال بجواز الصورة التي تجريها كثير من المصارف الإسلامية, ولو كانت تلك المصارف تحوز السلع إلى مستودعاتها قبل إبرام الصفقة مع الآمر بالشراء.
لا يخفى أن كثيرا من العلماء المجيزين لها قالوا: إن وعد الآمر لا بد أن يكون غير ملزم له, وإن المصرف لا بد أن يقوم بشراء السلعة المأمور بها, ويتملكها, وتصبح في ضمانه, ولهذا أجازها من أجازها.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى معللا للقول بالجواز:
" وذلك لأنه ليس في هذه الصورة التزام بإتمام الوعد بالعقد أو بالتعويض عن الضرر لو هلكت السلعة فلا ضمان على العميل فالبنك يخاطر لشراء السلعة لنفسه وهو على غير يقين من شراء العميل لها بربح، فلو عدل أحدهما عن رغبته فلا إلزام ولا يترتب عليه أي أثر فهذه الدرجة من المخاطرة هي التي جعلتها في حيز الجواز والله أعلم " [فقه النوازل للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله]
وأريد أن أقول: إن المصارف الإسلامية , كثير منها , لا يتحرى مثل هذه الشروط , وربما تحراها ظاهرا لا باطنا , فيدخل في مثل هذه المعاملة دون أدنى مخاطرة , أي يكون ممولا لإبرام هذه الصفقة , فهو يتواطأ مع التاجر (صاحب السلع) , أن السلعة التي اشتراها منه , إذا أتاه الآمر بالشراء وأمضى شراءه , فهو حينئذ على شرائه , وإن رجع الآمر بالشراء عن وعده , ورغب عن السلعة , كان بين المصرف والتاجر اتفاق على أن السلعة ترجع إلى صاحبها الأول (التاجر) , فهما – أعني المصرف والتاجر – كاثنين قال أحدهما للآخر: إذا جاءك من يريد شراء سلعة , وليس عنده ما يشتريها به , فلا ترده , بل أنا سأشتري منك هذه السلعة , وسأبيعها إياه بأقساط , فإن رغب هذا المشتري (طالب الشراء الأول الذي ليس عنده نقد) عن السلعة , فأنا سأرد عليك سلعتك , لأنه لا حاجة لي بها , فلا لي ولا علي. قال له صاحب السلعة: موافق.
فانظر لهذه الصورة , وتأملها تجد أنها تنطبق على كثير من المصارف الإسلامية حال إبرامها الصفقة مع التجار أصحاب السلع.
ولا شك أن فصل مابين حل هذه المعاملة وحرمتها , هو المخاطرة , التي تدل على أن المصرف اشترى السلعة شراء حقيقيا , وخاطر بماله , وأصبحت السلعة من ضمانه , له غنمها , في حال شراء الآمر منه بربح , وعليه غرمها , لو رجع الآمر عن وعده بالشراء , وكسدت السلعة , أو تلفت ...
والفرق بين الحالين كبير جدا:
ففي صورة الشراء الحقيقي , ستجد المصرف يتجنب السلع القليلة الرواج , وأيضا ذات الثمن الباهظ , التي ربما لو اشتراها سوف لن تنفق بل سيكون مآلها الكساد , أو البيع بخسارة , وسوف نجده يتحرى من يبيعها من التجار بثمن أقل , وسوف نجده يتحرى سلامة السلعة , وخلوها من العيب , وهذا كله أو كثير منه لا تكاد المصارف الإسلامية تتحراه , لأنها تبرم الصفقة كما مر , لا تدخل في أدنى مخاطرة: فالسلعة مصيرها إلى الواعد بالشراء , أو صاحبها الأول (التاجر).
وقد شاهدت بنفسي صورة تدل على قولي هذا وهو أن التاجر أحيانا يضع عرضا على سلعة عنده , فيقول: من يشتري سيارة كذا بسعر ثمانية آلاف دينار , فإنه سيقبض نقدا في يده ألف دينار , فيذهب الآمر بالشراء إلى المصرف الإسلامي , فيقول له المصرف: إن كنت تريد هذا العرض من التاجر فالسيارة سنشتريها بثمانية آلاف وسنبيعها عليك بعشرة مقسطة , وإن كنت لا تريد العرض , فسوف نحسم قيمة العرض (الألف دينار) من قيمة السلعة (أي الثمانية آلاف) أي أنها سوف تكون بسبعة , أي أننا سوف نشتري السلعة بسبعة آلاف , وسنبيعها عليك بتسعة ...
¥