وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) رواه البخاري (6069) ومسلم (2990).
وبهذا يُعلم أن المرأة لا تخبر خاطبها أو زوجها بشيء من معاصيها، ولو سألها فإنها لا تخبره، وتستعمل المعاريض والتورية، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى، خلاف ما يريد المتكلم، كأن تقول: لم يكن لي علاقة بأحد، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين، ونحو هذا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه:
" ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز. وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
وفيه: أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله، وإن اتفق أنه أخبر أحداً: فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري" (12/ 124).
ثالثا:
ينبغي للزوج أن يختار صاحبة الدين والخلق، فإذا وُفق لذلك فلا يفتِّش في ماضيها، ولا يسألها عن معاصيها، فإن ذلك مخالف لما يحبه الله تعالى من الستر، مع ما فيه من إثارة الشك، وتكدير الخاطر، وتشويش البال، والإنسان في غنى عن ذلك كله، فحسبه أن يرى زوجته مستقيمة على طاعة الله، ملتزمة بأمره. وهكذا الزوجة لا تسأل زوجها عن أموره الماضية، هل أحب غيرها، أو تعلق بسواها، أو زل في معصية، فإن هذا لا خير فيه، ويفتح بابا من الشر قد لا يمكن تلافيه، وهو مخالف لمراد الشارع كما سبق.
رابعا:
إذا ألح الزوج في سؤال زوجته، أو بلغه كلام أراد التحقق منه، ولم تجد وسيلة لستر نفسها إلا أن تحلف له، فيجوز لها أن تحلف وأن تُورّي في حلفها كما سبق، فتقول: والله ما كان شيء من ذلك، أو لم أفعل ذلك، وتقصد: لم أفعله بالأمس مثلا.
وقد فصّل أهل العلم في مسألة الحلف وما يجوز فيه من التأويل والتورية، وما لا يجوز، وحاصل كلامهم أن الإنسان ليس له أن يوري في حلفه عند القاضي، إلا إذا كان مظلوما. أما عند غير القاضي، فله التورية إن كان مظلوما – لا ظالما -، أو يخاف أن يترتب على صدقه مضرة له أو لغيره، أو كان هناك مصلحة في توريته.
قال ابن قدامة رحمه الله: " مسألة: قال: وإذا حلف , فتأول في يمينه , فله تأويله إذا كان مظلوما.
ومعنى التأويل: أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره , نحو أن يحلف: إنه أخي , يقصد أخوة الإسلام , أو المشابهة , أو يعني بالسقف والبناء السماء ... ، أو يقول: والله ما أكلت من هذا شيئا , ولا أخذت منه. يعني: الباقي بعد أخذه وأكله.
فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه , إذا عناه بيمينه , فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر.
ولا يخلو حال الحالف المتأول , من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون مظلوما , مثل من يستحلفه ظالم على شيء , لو صدَقه لظلمه , أو ظلم غيره , أو نال مسلما منه ضرر. فهذا له تأويله.
وقد روى أبو داود , بإسناده عن سويد بن حنظلة , قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له , فتحرج القوم أن يحلفوا , فحلفت أنه أخي , فخلى سبيله , فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (أنت أبرُّهم وأصدقُهم , المسلم أخو المسلم) صححه الألباني في صحيح أبي داود
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) [ضعيف، وصح موقوفا عن عمر. ينظر: صحيح الأدب المفرد 857]. يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه.
¥