(ص): (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيَّ). (ش): وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ الَّتِي ذَكَرَ هِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ أَوْ نَحْوُهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ أَفْعَالَ الصَّحَابَةِ وَكَثَّرَ مِنْهَا لَمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ تَوْقِيتٌ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَشُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ وَتَكَرُّرِهِ مِنْهُمْ وَعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي اعْتِبَارِ مَسَافَةٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ دُونَهَا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَسَافَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ.
قال ابن بطال رحمه الله
فيه: أَنَس، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىُّ، - صلى الله عليه وسلم -، مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: «أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا».
إنما أقام الرسول تسعة عشر يومًا يقصر، لأنه كان محاصرًا فى حصار الطائف أو حرب هوازن، فجعل ابن عباس هذه المدة حدًا بين القصر والإتمام، لقوله: «فنحن إذا سافرنا تسعة عشر يومًا قصرنا وإن زدنا أتممنا».
قال المهلب: والفقهاء لا يتأولون هذا الحديث كما تأوله ابن عباس ويقولون: إنه كان - صلى الله عليه وسلم - فى هذه المدة التى ذكرها ابن عباس غير عازم على الاستقرار، لأنه كان ينتظر الفتح، ثم يرحل بعد ذلك، فظن ابن عباس أن التقصير لازم إلى تسعة عشر يومًا، ثم ما بعد ذلك حضر تتم فيه الصلاة، ولم يرع نيته فى ذلك ...
وقد روى جابر بن عبد الله أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة. ذكره عبد الرزاق. وروى ابن عيينة عن ابن أبى نجيح أنه سأل سالم بن عبد الله كيف كان ابن عمر يصنع؟ قال: إذا أجمع المكث أتم، وإذا قال: اليوم وغدًا قصر الصلاة، وإن مكث عشرين ليلة.
وتأويل الفقهاء فى حديث أنس أيضًا أن إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشرًا كانت بنية الرحيل، وكانت العوائق تمنعه من ذلك، فما كان على نية الرحيل فإنه يقصر فيه وإن أقام مدة طويلة بإجماع العلماء.
وفى حديث ابن عباس من الفقه ما ذهب إليه مالك، وأبو حنيفة وأحد قولى الشافعى: أنه من كان فى أرض العدو من المسلمين ونوى الإقامة مدة يتم المسافر فى مثلها الصلاة أنه يقصر الصلاة، لأنه لا يدرى متى يرحل.
قال ابن القصار: والقول الثانى للشافعى الذى خالف فيه الفقهاء، قال: إن كان المقيمون بدار الحرب ينتظرون الرجوع كل يوم فإنه يجوز لهم أن يقصروا إلى سبعة عشر يومًا أو ثمانية عشر يومًا، فإذا جاوزوا هذا المقدار أتموا، واحتج بأن الرسول أقام بهوازن هذه المدة يقصر، وقوله الأول الموافق للفقهاء أولى، لأن إقامة من كان بدار الحرب ليست بإقامة صحيحة، وإنما هى موقوفة على ما يتفق لهم من الفتح لأن أرض العدو ليست بدار إقامة للمسلمين.
ـ[توبة]ــــــــ[16 - 07 - 09, 04:14 ص]ـ
أحسن الله إليك أخي الكريم.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَقَلِّ مَقَادِيرِ سَفَرِ الْقَصْر فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ سَفَرِ الْقَصْرِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ فِي الْغَالِبِ هُوَ مَا يُسَارُ
¥