ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[28 - 12 - 05, 02:54 ص]ـ
وفقكم الله.
أخي الفضل سيف أعانك الله ... ونفع بك ... قد أجابك الإخوة بما يوضح المراد ... في جانب المعنى ... والمقصود من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... وفي الجانب العقدي ... وبيان خلل منهج أهل الرفض في فهم الكلام ... وفي فساد طرائق الاحتجاج لديهم ... وما أضيفه إنما هو زيادة في التوضيح ليس إلا ...
قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - في الاستذكار: ( ... وأما قوله: إنكن لأنتن صواحب يوسف؛ فإنه أراد النساء، وأنهن يسعين أبدا إلى صرف الحق وإتباع الهوى، وأنهن لم يزلن فتنة يدعون إلى الباطل ويصدون عن الحق في الأغلب.
وقد روي في غير هذا الحديث في النساء هن صواحب يوسف وداود وجريج، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في النساء: إن منهن مائلات عن الحق مميلات لأزواجهن.
وقال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وخرج كلامه هذا منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على جهة الغضب على أزواجه وهن فاضلات وأراد جنس النساء غيرهن والله أعلم).
وقال الحافظ - رحمه الله - في الفتح: ( ... وصواحب جمع صاحبة، والمراد: أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن، ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع؛ فالمراد به واحد، وهي عائشة فقط، كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد ذلك، فقالت: لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته ... ) إلى آخر كلامه.
وبيّن مما تقدم أن كلامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج على سنن العرب في التمثيل والتشبيه لتقريب المعنى ... وقد جاء كلامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أبلغ ما يكون حيث حذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه ... مع إبقاء الكلمات ثابتة في معانيها الحقيقية ... و الإشارة إلى العلاقة التي تربط بينها ... وقد عُلم من استعمالات العرب أن المعنى المشترك بينهما والذي حمل على تشبيه شئ بآخر هو أظهر وأبين في المشبه به منه في المشبه ... فإذا أرادوا بيان قوة المشابهة حتى يصبح الشيئان شيئا واحدا ... لجؤوا إلى أسلوب أبلغ يعرف بالاستعارة ... حيث يدخل فيها المشبه في جنس المشبه به، ويصير فردا من أفراده، ويطلق عليه اللفظ الدال على المشبه به ... مثل قولهم: رأيت بحرا يعظ الناس ... وكلمت ليثا ... وقولهم: أظفار المنية نشبت بفلان ... وقول الشاعر:
لا تعجبوا من بلى غلالته - - قد زر أزراره على القمر
وهكذا يظهر أن الإحساس بالشئ في التشبيه غيره في الاستعارة ... وأن درجات الخيال تترقى عندهم درجة درجة من تشبيه إلى استعارة ... تبدأ من الحس بالمشابهة بين شيئين مختلفين ... ثم ترتفع إلى توهج الإحساس بصيرورتهما شيئا واحدا ...
وأحسب أن اختلاف الخطيب القزويني والسعد في عدّ مثل قولهم: خالد أسد ... من قبيل الاستعارة هو أم من قبيل التشبيه جارٍ أيضا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هنا ... وبهذا أظنك قد علمتَ جواب سؤالك ... هل يصح لغويا أن يقال ... الخ ... وأنه في الحقيقة ليس هناك تحول ذات إلى ذات أخرى حقيقة ... وإن أوحي الاستعمال اللفظي بذلك = وإنما الكلام إيذان بأنه قد بلغت المشابهة بينهما من القوة والوضوح مبلغا أضحى به الشيئان شيئا واحدا ... أي: هو هو ... كما يقولون، والله أعلم.