لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَلِيلَ الطَّعَامِ طَعَامٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا فَأَيَّ نَبِيذٍ شَرِبَ حَنِثَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَإِنْ شَرِبَ سَكَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّكَرَ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِخَمْرِ التَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي مِنْ مَاءِ التَّمْرِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ أَوْ لَمْ يَقْذِفْ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا لَوْ شَرِبَ فَضِيخًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا إذْ هُوَ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ وَكَذَا لَوْ شَرِبَ عَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا.
"
وعند ابن رشد المالكي تقاسيم جيدة:
قال ابن رشد في بداية المجتهد:" أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها: أعني التي هي من عصير العنب.
وأما الانبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام، فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الانبذة وكثيرها المسكرة حرام.
وقال العراقيون: إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الانبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين.
وسبب اختلافهم: تعارض الآثار والاقيسة في هذا الباب، فللحجازيين في تثبيت مذهبهم طريقتان: الطريقة الاولى: الآثار الواردة في ذلك.
والطريقة الثانية: تسمية الانبذة بأجمعها خمرا، فمن أشهر الآثار التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: سئل رسول الله (ص) عن البتع وعن نبيذ العسل؟ فقال: كل شراب أسكر فهو حرام خرجه البخاري.
وقال يحيى بن معين: هذا أصح حديث روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحريم المسكر، ومنها أيضا ما خرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام فهذان حديثان صحيحان.
أما الاول: فاتفق الكل عليه.
وأما الثاني: فانفرد بتصحيحه مسلم.
وخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو نص في موضع الخلاف.
"
وعن النبّاش:
في المبسوط للسرخسي الحنفي" (قَالَ) وَلَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْطَعُ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَعُمَرُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ اتَّفَقَ مَنْ بَقِيَ فِي عَهْدِ مَرْوَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ نَبَّاشًا أُتِيَ بِهِ مَرْوَانُ فَسَأَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ فِيهِ شَيْئًا فَعَزَّرَهُ أَسْوَاطًا، وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ اسْتِدْلَالِ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ لِإِيجَابِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ لَوْ كَانَ يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا لَمَا احْتَاجَ مَرْوَانُ إلَى مُشَاوَرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ النَّصِّ وَمَا اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، فَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ} وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا كَامِلَ الْمِقْدَارِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ، كَمَا لَوْ سَرَقَ لِبَاسَ الْحَيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا."
ولعل الأخوة الأحناف يفيدوننا بذلك.
وفقكم الله
ـ[عبد]ــــــــ[09 - 02 - 06, 01:26 ص]ـ
جزاك الله خيرا،
أضف إلى ذلك أن الحنفية ربما أيدوا المعنى اللغوي بحديث عندهم:
قال سبط ابن الجوزي في "إيثار الإنصاف"، ص 426: (لنا ماروي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((لا قطع على المختفي)) والمختفي بلغة أهل المدينة النباش، وروي أن علياً 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أتى بنباش فعزره ولم يقطعه ووافقه ابن عباس) أ. هـ.
ـ[الزقاق]ــــــــ[09 - 02 - 06, 03:22 م]ـ
lبسم الله و الحمد لله و الصلاة على رسول الله
أما بعد فأقدم بين يدي كلامي الاعتذار إلى ألإخوة من الأحناف إذ سأجيب عن مذهبهم و أنا المغربي المالكي القح و لكنه من باب تذاكر العلم فقط و رب رامية من غير رامى
الاختلاف في انقياس اللغة لا يمكن طرحه بالشكل التقليدي كاختلاف بين الثنائي الجمهور-الأحناف إذ الجمهور نفسه انقسم و لم يتفق رأيه فالحنابلة مثلا منهم من يرى جواز الاستدلال به كالطوفي و ابن قدامة و منهم من يخالفه كشيخ الإسلام و هذا الخلاف مطرد على المذاهب الأخرى من شافعية و مالكية. بيد أن الحنفية في اختلافهم مع الجمهور في مسألة النبيذ اتفق رأيهم على رفض القياس في اللغة و اعتبروه تحكما, و ساندهم أهل العربية من أهل مذهبهم أو من سواهم كالزبيدي و ابن سيده و الأقوال في المسألة ثلاث لخصها العلامة سيدي عبد الله في مراقيه بقوله
هل تثبت اللغة بالقياس و الثالث الفرق لدى أناس
محله عندهم المشتق و ما عداه جاء فيه الوفق
قال شراحه أي محل الخلاف المشتق من الأسماء لا غير و القول الثالث الذي اجمله هو جوازه في الحقيقة و امتناعه في المجاز و انظر إن أردت مختصر الطوفي و شرحه لمؤلفه و شرحه للعسقلاني و روضة ابن قدامة و تذكرة الشنقيطي و مغني الخبازي و فصول الجصاص و تمهيد أسنوي و حاشية ابن عابدين و سواهم من كتب الفقه و أصوله كشروح مراقي السعود