وعن الفضيل ـ رحمه الله ـ أنه قال: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وأعزوا هذا العلم، وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله إذاً لخضعت لهم رقاب الجبابرة، وانقاد لهم الناس، وكانوا لهم تبعا، ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لبناء الدنيا، فهانوا وذلوا.
وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني ـ رحمه الله ـ:
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كُنْتُ كُلَّما + بَدا طَمَعاً صَيَّرْتهُ لي سُلَّمَا
وَلَمْ أبتذلَ في خِدْمةِ اَلعِلْمِ مُهْجَتِي + لأخْدِمَ مَنْ لاقَيْتَ لَكِنْ لأخْدَما
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّة + إِذًا فَاتَباعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَسْلَمَا
فَإِنْ قُلتَ زَنَدُ العِلْمِ كابٍ فَإِنّما + كَبا حينَ لَمْ نَحْرُسْ حِماهُ وَأَظْلَما
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْم صانُوهُ صانَهُم + ْوَلَوْ عَظَّمُوهُ في النُّفوسِ لَعُظِّما
وَلَكِنْ أَهانُوهُ فَهانُوا وَدَنَّسُوا + مُحَيَّاهُ باِلأَطْماعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وقيل: من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره.
وقال الفضيل ـ رحمه الله ـ: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء.
وقيل: من عُرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه، إذا رأى طالبي العلم قال: مرحبا بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خُلقان الثياب، جدد القلوب، رياحين كل قبيلة.
وقال علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفا أن يَدَّعِيهِ من لا يُحْسِنه، ويَفرح به إذا نسِب إليه، وكفى بالجهل ضَعَة أن يتبرأ منه من هو فيه، ويَغضب إذا نسب إليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " [حديث صحيح رواه ابن ماجة 264، وغيره].
قال الشاعر:
العِلمُ أنْفَسُ شَيْءٍ أنتَ داخِرُه + ُمَنْ يَدْرُس العلمَ لمْ تُدْرَسْ مَفاخِرُهُ
أقبِلْ على العلم واستقبلْ مَقاصِدَه + ُفأوَّلُ العلم إقبالٌ وآخِرُه
ُ
قال الشَّعْبيُّ ـ رحمه الله ـ: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي، فأخبرته، ثم قال: يا شعبي كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عني
يؤخذ، قال: كيف علمك بالفرائض؟ قلت: إليَّ فيها المنتهى، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيض فيها، قال: كيف علمك بالشعر؟ قلت: أنا ديوانه، قال: لله أبوك، وفرض لي أموالاً، وسوّدَني على قومي، فدخلت عليه وأنا صُعلوكٌ من صعاليك هَمْدان وخرجت وأنا سيدُهم.
قال البُسْتي:
إذا لم يَزِدْ عِلمُ الفتى قلبَهُ هُدىً + وَسِيرَتهُ عَدْلا وَأخْلاقهُ حُسْنا
فبَشِّرْهُ أنَّ اللهَ أوْلاهُ فِتنَة + تُغشِيهِ حِرْماناً وتوسِعُهُ حُزْنا
وقال علي رضي الله عنه: من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض.
وشكا الشافعي ـ رحمه الله ـ إلى وكيع بن الجراح ـ رحمه الله ـ سوء الحفظ فقال له: استعن على الحفظ بترك المعاصي، فأنشأ يقول:
شكَوْتُ إلىَ وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي + فَأرْشَدَنِي إلىَ ترْكِ المَعاصِي
وَذلِكَ أنَّ حِفْظَ العِلْمَ فَضْلٌ + وَفَضْلَ اللهِ لا يُؤْتىَ لِعاصِي
وعن أبي يوسف ـ رحمه الله ـ قال: مات لي ولد فأمرت من يتولى دفنه، ولم أدَعْ مجلسَ أبي حنيفة خوفا أن يفوتني منه يوم.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ رحمه الله ـ: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري، حتى كان يقال إن حديثا لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.
وقال البخاري ـ رحمه الله ـ: أحفظ مائة ألف حديث صحيح. وقال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين، وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله I .
وقال مجاهد ـ رحمه الله ـ: أتينا عمر بن عبد العزيز لنعَلِّمَه فما برحنا حتى تعلمنا منه.
وكان يقال: الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ ذهب علمه كله بموته، ولهذا قال الشافعي ـ رحمه الله ـ لما قدم مصر بعد موته: والله لأنت أعلم من مالك، وإنما أصحابك ضيعوك.
وقال الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ: ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس.
¥