تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أ) هي طاهرة ليست نجسة كالكلاب، فقد روى أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعي إلى دار قوم فأجاب، وإلى دار آخرين فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال: "إن في دار فلان كلبًا" فقيل له: وإن في دار فلان هرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الهرة ليست نجسة إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات" وفي السنن الأربعة وصححه البخاري من حديث كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة - أن أبا قتادة -رضى الله عنه- دخل فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات" أي كالخدم المماليك في البيوت، وفي سنن ابن ماجة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الهرة لا تقطع الصلاة، إنما هي من متاع البيت".

(ب) ذكر النووي في شرح المهذب أن بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عند الشافعية إلا ما حكاه البغوي في شرح مختصر المزني عن ابن القاص أنه قال: لا يجوز وهذا شاذ باطل، والمشهور عنه جوازه وبه قال جماهير العلماء. قال ابن المنذر: أجمعت الأمة على جواز اتخاذها، ورخص في بيعها ابن عباس والحسن وابن سيرين وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وكرهت طائفة بيعها، منهم أبو هريرة وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد، روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب والسنور (أي القط)، يقول النووي: إن النهي هنا يراد به الهرة الوحشية، فلا يصح بيعها لعدم الانتفاع بها، إلا على وجه ضعيف في جواز أكلها، أو المراد به نهي التنزيه لا التحريم.

(ج) يقول الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى": إذا كانت الهرة ضارية بالإفساد، فقتلها إنسان في حال إفسادها دفعًا جاز ولا ضمان عليه، كقتل الصائل دفعًا، وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم تكن حاملاً، لأن في قتل الحامل قتل أولادها ولم تتحقق منهم جناية. وأما قتلها في غير حالة الإفساد ففيه وجهان، أصحهما عدم الجواز ويضمنها. وقال القاضي حسين: يجوز قتلها ولا ضمان عليه فيها، وتلحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها، ولا تختص بحال ظهور الشر.

وكلام الدميري في مسألة خطف هرة لحمامة أو غيرها وهي حية. لكن لو حدث من الهرة إفساد آخر بخطف الطعام أو التبرز على الفراش أو في مكان هام، واعتادت ذلك على الرغم من مطاردتها فلا وجه لتحريم قتلها، لأنه من باب دفع الضرر، مثلها في ذلك مثل الكلاب الضالة المؤذية.

3 - الطيور: من الطيور ما هو ضار بطبيعته فيجوز قتله كما مثل له الحديث بالغراب والحدأة. وهي بطبيعتها لا تستأنس، وهناك طيور ليست ضارة بطبيعتها؛ منها ما يستأنس كالحمام، ومنها ما لا يستأنس كالعصافير، والنوع الأول يذبح ليؤكل، وكذلك الثاني يصاد ليؤكل. وما لا يحل أكله لا يقتل إن كانت فيه فائدة مثل "أبي قردان" صديق الفلاح كما يقولون.

لكن قد يثار هنا سؤالان، أحدهما عن الحمام الذي يسقط على الأجران التي تدرس فيها الحبوب ويأكل منها كثيرًا، وثانيهما عن العصافير التي تهجم على المحصولات كالقمح والشعير وتلتهم منها كثيرًا وهي ما زالت في طور نموها أو نضجها. فهل يجوز قتلها من أجل ضررها؟

أما الحمام فضرره بسيط يمكن أن يطارد دون اصطياد، ولو صيد هل يضمن ثمنه لصاحبه؟ إن لم يعرف له صاحب بيقين فلا ضمان، وإن عرف صاحبه بيقين ضمن، لأن حبس الطيور أمر عسير، فلا بد لها من التجوال، ويعتبر صاحبها غير مقصر فلا يضمن ما أتلفته من طعام غيره، وإن اشتبه عليه أمر الحمام أو اختلط فيه المملوك لأصحابه وغير المملوك، فالأشبه عدم الضمان, ومع ذلك فأفضل عدم اصطياده، لأن غالب بيوت القرى فيها حمام، وهو يطلب رزقه من كل المواقع، فحمام الكل يأكل من طعام الكل غالبًا، والأمر متبادل بين البيوت، والتسامح في ذلك من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط في شيء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، مذكرًا للناس بهذا الحديث الصحيح "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" رواه مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير