تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما العصافير - وهي غير مملوكة لأحد فيكتفى بطردها إن أمكن، أما إذا لم يمكن طردها فلتوضع لها شباك تصاد بها وينتفع بلحمها، أو تصاد بالرصاص الخارق -على رأي بعض العلماء-، ويقوم ذلك مقام ذبحها والصيد بالشباك للانتفاع بالعصافير، بدل إبادتها وضياع الاستفادة من لحمها، وهو ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي والحاكم وصححه بقوله: "ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله -عز وجل- عنها" قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: "يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي بها"، وفيما رواه النسائي وابن حبان في صحيحه بقوله: "من قتل عصفورًا عبثًا عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة".

وهذا توجيه اقتصادي إسلامي إلى عدم ضياع المنفعة من الشيء في الوقت الذي يدافع فيه ضرر هذا الشيء، وهذا كما يقال: ضرب عصفورين بحجر واحد. دفعنا الشر واستفدنا مما فيه من خير.

فإن كانت بشكل "وبائي" ولا يفيد معها الاصطياد فهل يمكن قتلها بمثل المواد الكيماوية أو بطريقة أخرى؟ نعم لا مانع من ذلك لدفع ضررها، وحماية لقوت الإنسان منها، فحياته ومصلحته مقدمة على حياة أي مخلوق دونه وعلى مصلحته، وهي كلها جعلت من أجل الإنسان لتبقى حياته ويستطيع أن يؤدي رسالته، وبمثل ذلك قال الدميري في الجراد.

وفي مثل هذه الحالة الاستثنائية التي تكاثرت فيها العصافير وأكلت جزءاً كبيرًا من المحصولات، قامت بعض الدول في شكل جماعي بمطاردتها طول النهار حتى اضطرت إلى الأشجار العالية وباتت ليلها جائعة، تساقط بعضها ميتًا في أول ليلة ثم قضى عليها في أيام قلائل.

وقد يشبه هذا الحكم في العصافير حكم مكافحة الجراد، وهو من نوع الحشرات الطائرة ويحل أكله كما نص عليه الحديث "أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال" رواه الشافعي وأحمد والدارقطني والبيهقي مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروي موقوفاً على ابن عمر وهو الأصح، وروى البخاري وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد. ولو أبيد بأية طريقة حل أكله ما لم يكن فيه ضرر بسبب المواد التي أبيد بها.

جاء في "حياة الحيوان الكبرى -جراد" روى الطبراني والبيهقي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" قلت: هذا وإن صح أراد به ما لم يتعرض لإفساد الزرع وغيره، فإن تعرض لذلك جاز دفعه بالقتل وغيره.

4 - الحشرات: الحشرات منها ما يدب على الأرض كالحيات والعقارب، ومنها ما يطير في الجو كالنحل والزنابير، ونص الحديث على قتل الحيات والعقارب والفأرة، وقد تحدث الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" عن كل أنواعها، كما تحدث عن كل ما يعرفه من المخلوقات الحية، وبيَّن حكم كل منها، وبخاصة في إبادتها وفي حث الدين على مكافحتها حماية للإنسان من شرها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم "من قتل وزغة من أول ضربة فله مائة حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها في الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية"، والوزغة هي سام أبرص المعروف بالبرص. "حياة الحيوان - وزغة" وجاء في تعليل الاهتمام بقتلها حديث البخاري وابن ماجة وأحمد أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم ليزداد اشتعالها.

وهنا يثار سؤالان؛ أحدهما عن النحل والثاني عن النمل. هل يجوز قتل النحل أو لا يجوز؟ وهل يجوز قتل النمل بالنار أو لا يجوز؟

(أ) أما النحل فمن الحشرات التي تفيد الإنسان بالعسل الذي تحدثت النصوص في القرآن والسنة عن فوائده، لكنه مع ذلك يلسع ويؤذي فهل يجوز قتله؟ قال الدميري: كره مجاهد قتل النحل، ويحرم أكلها على الأصح وإن كان عسلها حلالاً، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام. وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة وهو وجه ضعيف في المذهب، ويحرم قتلها. والدليل على الحرمة نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتلها. ثم قال: كان القياس جواز قتل النحل، لأنه من ذوات الإبر، وما فيه من المنفعة يعارض بالضرر، لأنه يصول ويلدغ الآدمي وغيره، فالمضرة التي فيها مبيحة لقتلها ولم يجعلوا المنفعة التي فيها عاصمة من القتل، لكن الرسول نهى عن قتل النحل، وليس في قوله إلا طاعة الله بالتسليم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير