تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة أن هذا الرأي يجانب الصواب كثيراً، فالمقطوع به أنه كلما إزداد الإنسان تعمقاً في الحق كلما عرفه أكثر وتمسك به أكثر، وقد يكون هذا الرأي صحيحاً إذا ما قيس بالدين الفاسد أو الباطل، فحينما يتعمق الإنسان فيه يزداد يقيناً بفساده وبطلانه، فالقضية ليست قضية علماء الدين بقدر قضية الدين نفسه وهل هو دين حق أو باطل، وذلك ينطبق على جميع الأشياء الفكرية والنظرية وغيرها.

وحينما يقال عن الفيلسوف اليهودي المرتد (اسبينوزا) أنه عالم دين وأن سبب إلحاده هو دينه نفسه، فهذه المقولة صحيحة ولا غبار عليه، بل إنني أعد ذلك شهادة من هذا المفكر على أن الأديان المحرفة تحمل في طياتها بذور الشك والانهيار، وما اسبينوزا وغيره إلا خير شاهد.

والفرق بين الدين الحق والأديان الباطلة هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية مفرقاً بذلك بين الإسلام وغيره حيث قال: (الإسلام يأتي بما تحتار فيه العقول، لا ما تحيله).

وهذه هي النقطة الجوهرية، وهي حجر الزاوية وقطب الرحى في قولنا السابق، فالإسلام لا يعلم الناس المحالات العقلية أبداً، بل أعظم عقائده فطرية يقينية تسلم بها جميع العقول على تفاوت إدراكاتها، فالعقائد في الإسلام واضحة سلسلة يسلم بها العقل وتذعن لها النفس.

(الرأي الثالث):

مفاده كما يقول الشيخ ابراهيم النجدي في كتابه:

(لقد استغرب الناس انقلاب هذا الرجل بهذه السرعة، وانسلاخه من آيات الله التي تظاهر بنصرها من قبل، فذهبوا يتساءلون عن الأسباب التي أحدثت هذا الانهيار الخلقي والانقلاب المفاجيء الغريب والانسلاخ البلعامي المنكر، لأن هذا الرجل كان يتظاهر قبلاً بنصر السنة وقد ألف في ذلك كتباً معروفة .. وذهبوا يعللون هذا التراجع والتقهقر تعليلات شتى بحسب ما يظهر من القرائن، فعلل كثير بأنه أرتشى من بعض الدعايات المحاربة للأديان!).

وخلاصة هذا الرأي أن القصيمي انقلب رأساً على عقب بسبب رغبته في المال، فارتشى من أجل ذلك، مع أني أرى أنه مستبعد قليلاً، خاصة إذا عرفنا أن القصيميكان يناصر دولة فتية غنية بترولية، ثم نقول ماذا جنى القصيمي من الأموال نتيجة إلحاده؟!

لقد شرد وطرد وهام على وجهه من بلد إلى بلد، ومات منفياً وحيداً، ثم إن هذه صفة البرغماتية أسبعدها عن القصيمي من خلال تصفحي لآثاره وآثار خصومه.

فهذا الشيخ ابن عقيل الظاهري يقول عنه:

(ولا أنكر أن القصيمي كان مخلصاً في إلحاده أول الأمر لشبه عرضت له، وقد لاقى من ذلك مضايقة ومطاردة).

ولندع القارىء الكريم يقرأ بنفسه ما كتبه القصيمي بخط يده يحكي فيه عن خواطره واعترافاته، يقول القصيمي:

(إن ذكرى تفيض بالمرارة والحسرة تعاودني كلما مر بخاطري عصر مشؤوم قضيته مسحورا بهذه الآراء - يقصد الدين - وكنت أفر من الحياة ومما يعلي من قيمة الحياة، فقد كنت لا أجد ما يحملني على أن أرفع قدمي لو علمت أني إذا رفعهتما تكشف ما تحتها عن أعز ما يتقاتل عليه الأحياء!

كان الغرور الديني قد أفسد عليّ كل شعور بالوجود وبجماله، وكنت مؤمنا بأن من في المجتمع لو كانوا يرون رأيي ويزهدون زهدي لوقفت الأعمال كلها، وكنت لا أخالق إنسانا رغبة فيما يتخالق الآخرون من أجله، وكان شعاري في تلك الفترة قول ذلك المغرور المخدوع مثلي:

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

وكان يخيل إلي وإلى غروري الديني الأعمى أنه لاقوة كقوتي، لأن الله معي واهب القوى!

فليقو العالم كما يشاء وليجمع من الأسباب ماطاب له فان ذلك كله لا قيمة له ولا خطر بالنسبة الى من استقوى بقوة الله).

فأنت تلاحظ يا أخي القارئ أن القصيمي - كما يقول - قد سلك مسلكاً ليس هو حقيقة روح الإسلام بل هو أقرب إلى الرهبانية والتى ما أنزل الله بها من سلطان.

ولكن ما يهمنا هنا هو مدى مصداقية القصيمي؟

فأنت تلاحظ أنه وكما ذكرنا سابقا كان صادقا مع نفسه متحمساً للدين والدفاع عنه، والزهد والتقشف الشديد بدرجة لا تطاق، وهكذا كانت لتلك الحالة ردة فعل قاسية عليه وكما يقال فإن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الإتجاه، ولذلكجاء في الحديث الشريف: (أوغل في الدين برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير