ويشير إلى ذلك قوله _ تعالى _ عن موسى _ عليه السلام _ قول: [قال رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرًا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري؛ كي نسبحك كثيرًا، ونذكرك كثيرًا، إنك كنت بنا بصيرًا] طه: 25_35.
فماذا كانت النتيجة؟ لقد أجاب الله سؤله، ومنَّ عليه مرة أخرى.
ويشير إليه _ أيضًا _ حديث ابن عمرو _ رضي الله عنهما _ قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:"إذا جاء الرجل يعود مريضًا _ فليقل: اللهم اشفِ عبدَك فلانًا؛ ينكأْ لك عدوًّا، أو يمشِ لك إلى الصلاة" (43).
15_ الطموح وعلو الهمة: فمن الآداب التي يحسن بالداعي أن يتحلى بها _ أن يكون طموحًا، ذا نفس كبيرة، وهمة عالية، راغبًا فيما عند الله من عظيم الثواب.
ويومىء إلى هذا المعنى _ دعاء نبي الله سليمان _ عليه السلام _ عندما قال _ كما أخبر الله عنه _:"رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب"ص:35،
فنبي الله سليمان _ عليه السلام _ حصل منه ما حصل عندما آلى أن يطوف على نسائه جميعًا؛ لتلد كل واحدة منهن مجاهدًا يجاهد في سبيل الله، ولم يستثنِ _ عليه السلام _ ولم يقل: إن شاء الله (44).
وعندما أدرك ما وقع فيه لم يكتف بأن يسأل الله المغفرة فحسب، ولكنه _ لكبر نفسه، وعلو همته، وعلمه بسعة فضل ربه _ سأله مع ذلك أن يهب له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده!
فماذا كانت النتيجة؟ لقد استجاب الله دعاءه، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، ثم قال _ تعالى:"هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" ص: 39_40.
16_ البكاء حال الدعاء: فعن عبدالله بن عمرو بن العاص _ رضي الله عنهما _ أن رسول الله"تلا قولَ الله _ عز وجل _:"رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس فم تبعني فإنه مني" [إبراهيم:36]، وقول عيسى:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" [المائدة:118]، _ فرفع يديه وقال:"اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله _ عز وجل _: يا جبريل اذهب إلى محمد _ وربك أعلم_ فسله ما يبكيك؟ " فأتاه جبريل _ عليه السلام _ فسأله، فأخبره رسول الله"بما قال _ وهو أعلم_.
فقال الله: "يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك" (45).
17_ إظهار الداعي الشكوى إلى الله، والافتقار إليه: قال_ تعالى _ عن أيوب _ عليه السلام _: [وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين] الأنبياء: 83، وعن زكريا _ عليه السلام _ دعاءه: [رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين] الأنبياء: 89، وعن يعقوب _ عليه السلام _ قوله:"إنما أشكو بثي وحزني إلى الله" [يوسف:86]، وعن موسى _ عليه السلام _ دعاءه:"رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" [القصص:24].
قال ابن المبارك: (قدمت المدينة في عام شديد القحط، فخرج الناس يستسقون، فخرجت معهم، إذ أقبل غلام أسود، عليه قطعتا خيش، قم اتَّزر بإحداهما، وألقى الأخرى على عاتقه، فجلس إلى جنبي، فسمعته يقول: (إلهي أخْلَقَتِ الوجوهَ عندك كثرةُ الذنوب، ومساوىء الأعمال، وقد حَبَسْتَ عنا غيث السماء؛ لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل _ أن تسقيهم الساعةَ الساعةَ)، فلم يزل يقول: الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام، وأقبل المطر من كل جانب) (46).
18_ أن يتخير جوامع الدعاء ومحاسن الكلام: بدلاً من التطويل، والحشو، والتفصيل الذي لا لزوم له؛ فقد كان رسول الله"يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك (47).
قال الخطابي: (ولْيَتَخَيَّرْ لدعائه، والثناء على ربه أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني؛ لأنه مناجاة العبد سَيِّدَ السادات، الذي ليس له مثل، ولا نظير) (48).
19_ أن يبدأ الداعي بنفسه: عن أبيِّ بن كعب-رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه (49).
والبداءة بالنفس حال الدعاء ترد كثيرًا في القرآن، كما في قوله _ تعالى_:"ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" [الحشر: 10].
وهذا ليس بلازم لمن أراد أن يدعو لغيره كما هو وارد في كثير من الأدعية، حيث يدعو الإنسان لغيره دون نفسه.
¥