تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يقال: إذا أراد الدعاء لنفسه ولغيره فليبدأ بنفسه ثم يُثَنِّي بغيره، وإذا أراد الدعاء لغيره فَحَسْب فلا يلزم أن يبدأ بنفسه، كما مر في دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- لعبيد بن عامر-رضي الله عنه-؛ حيث دعا لعبيد دون أن يدعو لنفسه.

20_ أن يدعو لإخوانه المؤمنين: فهذا من مقتضيات الأخوة، ومن أسباب إجابة الدعوة؛ قال _ تعالى _:"واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" [محمد:19].

وذكر عن نوح _ عليه السلام _ قوله:"رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات" [نوح:28].

وقال _ عليه الصلاة والسلام _:"من استغفر للمؤمنين والمؤمنات _ كتب له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة" (50).

ويحسن أن يُخص بالدعاء _ الوالدان، والعلماء، والصالحون، والعبَّاد، ومن في صلاحهم صلاح لأمر المسلمين كأولياء الأمور وغيرهم ...

ويحسن به _ أيضًا _ أن يدعو للمستضعفين والمظلومين من المسلمين، وأن يدعو على الظالمين الذين في هلاكهم نصر للإسلام والمسلمين، وراحة للمستضعفين والمظلومين.

21_ خفض الصوت، والإسرار بالدعاء: قال _ تعالى _:"ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين" [الأعراف:55].

وعن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: (كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فجعل الناس يجهرون في التكبير، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-:"أيها الناس، اربعوا على أنفسكم؛ إنكم لا تَدْعِون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم") (51).

هذا ولخفض الصوت والإسرار بالدعاء _ فوائد عديدة، وأسرار بديعة، وقد أشار العلامة ابن القيم إلى شيء منها، فمن ذلك ما يلي:

(أولاً _ أنه أعظم إيمانًُا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع دعاءه الخفي، وليس كالذي قال: إن الله يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا.

ثانيًا _ أنه أعظم في الأدب والتعظيم: ولهذا فإن الملوك لا تُخاَطَبُ، ولا تُسْأَل برفع الصوت، وإنما تخفض عندهم الأصوات بمقدار ما يسمعونه، ومن رفع صوته عندهم مقتوه، ولله المثل الأعلى؛ فإذا كان يسمع الكلام الخفي _ فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.

ثالثًا _ أنه أبلغ في التضرع والخشوع: الذي هو روح الدعاء، ولبه، ومقصوده؛ فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، ولا يتأتى ذلك مع رفع الصوت، بل مع خفضه.

رابعًا _ أنه أبلغ في الإخلاص.

خامسًا _ أنه أبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء؛ فإن رفع الصوت يفرقه، ويشتته.

سادسًا _ أنه دال على قرب صاحبه من الله: وأنه لاقترابه منه، وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.

وهذا من النكت السرية البديعة جدًا.

سابعًا _ أنه أدعى لدوام الطلب والسؤال؛ فإن اللسان _ والحالة هذه _ لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته؛ فإنه قد يكل لسانه، وتضعف بعض قواه، وهذا نظير من يقرأ أو يكرر رافعًا صوته؛ فإنه لا يطول له ذلك، بخلاف من يخفض صوته.

ثامنًا _ أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع، والمشوشات، والمضعفات؛ فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يَدْر به أحد، فلا يحصل هناك تشويش، ولا غيره.

وإذا جهر به تفطنت له الأرواح الشريرة، والخبيثة من الجن والإنس، فشوشت عليه ولا بد، ومانعته، وعارضته، ولو لم يكن إلا أنَّ تعلقها به يفرق عليه همته، فيضعف أثر الدعاء _ لكفى.

ومن له تجربة يعرف هذا، فإذا أسر الدعاء وأخفاه أمن هذه المفسدة.

تاسعًا _ الأمن من شر الحاسدين؛ ذلك أن أعظمَ النعم نعمةُ الإقبالِ على الله، والتعبد له، والانقطاع إليه، والتبتل إليه، ولكل نعمة حاسد على قدرها دَقَّتْ أو جَلَّتْ.

ولا نعمة أعظم من هذه النعمة؛ فأنْفُسُ الحاسدِينَ المنقطعين متعلقةٌ بها، وليس للمحسود أسلمُ من إخفاء نعمته عن الحاسد، وأن لا يقصد إظهارها له، وكم من صاحب قلب وجَمْعِيَّةٍ وحال مع الله قد تحدث بها، فسلبه إياها الأغيار، فأصبح يقلب كفيه (52).

22_ ألا يتكلف السجع: ذلك أن حال الداعي حال ذلة وضراعة، والتكلف لا يناسب ذلك.

قال بعضهم: (ادع بلسان الذلة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق) (53).

قال الخطابي×: (ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صفة الكلام له) (54).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير