ويوضح ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من نصيحة ابن عباس _ رضي الله عنهما _ لأحد أصحابه، ومما قال فيها: (فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه؛ فإني عهدت رسول الله"وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب) (55).
والسجع هو الكلام المقفى بدون وزن، والمنهي عنه من السجع هو التكلف فيه؛ لأنه ينافي الخشوع والخضوع _ كما مر _.
أما إذا جاء السجع على اللسان سليقة، وفطرة ومطاوعة بلا تكلف _ فلا بأس بذلك؛ لكثرة الأدعية المسجوعة من الكتاب والسنة، والتي مر وسيمر بنا شيء منها.
23_ الإعراب بلا تكلف: فالإعراب عماد الكلام، وجماله، ووشيه؛ فيحسن بالعبد وهو يناجي ربَّه أن يُعْرب عما يقول قدر المستطاع، خصوصًا إذا كان إمامًا يدعو والناس يُؤَمِّنون خلفه، على ألا يَصِلَ ذلك إلى حد التكلف، وألا يجعل همته مصروفة إلى تقويم لسانه؛ لأن ذلك يذهب الخشوع الذي هو لب الدعاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب ألا يتكلف الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.
وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس؛ فإن أصل الدعاء من القلب، واللسان تابع القلب، ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه) (56).
24_ ألا يدعو بانتشار المعاصي: فالمعاصي من الفساد، والله لا يحب الفساد، بل اللائق به أن يدعو بانتشار الخير بين الناس.
25_ اختيار الاسم المناسب، أو الصفة المناسبة حال الدعاء: كأن يقول: يا رحيم ارحمني، يا كريم أكرمني، يا شافي اشفني، رب هب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وهكذا.
26_ ألا يحجر رحمة الله في الدعاء: كأن يقول: اللهم اسق مزرعتي وحدها، أو اللهم أصلح أولادي دون غيرهم، أو ربِّ ارزقني وارحمني دون سواي.
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: (قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلَّم النبي- صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي: "لقد حجَّرتَ واسعًا" _ يريد رحمة الله) (57).
27_ التأمين على الدعاء من المستمع: كما في قصة دعاء موسى وهارون _ عليهما السلام _ على فرعون وآله.
قال المفسرون: كان موسى يدعو، وهارون يؤمن (58).
ولهذا قال _ تعالى _:"قد أجيبت دعوتكما" [يونس،89].
28_أن يسأل الله كل صغيرة وكبيرة: وهذا الأمر يغفل عنه كثير من الناس، فتراهم لا يلجأون إلى الله ولا يسألونه إلا إذا نزلت بهم عظائمُ الأمور، وشدائدها.
أما ما عدا ذلك فلا يسألونه؛ لظنهم أنه أمر يسير لا داعي لسؤال الله من أجله.
وهذا خطأ؛ فاللائق بالمسلم أن يسأل ربه كل صغيرة؛ فلو لم ييسر الله أكل الطعام _ مثلاً _ لما استطاع الإنسان أكله، ولو لم ييسر لبس النعل لما استطاع الإنسان لبسه.
قال":=سلوا الله كل شيء، حتى الشسع (59)، فإن الله _ تعالى _ لو لم ييسره لم يتيسر". (60)
فقوله: حتى الشسع إشارة أن ما فوقه أولى وأولى.
(1) تحفة الذاكرين للشوكاني ص28.
(2) رواه الترمذي (2969) التفسير، سورة البقرة، وقال: حسن صحيح، وأبو داود (1479) الصلاة، باب الدعاء، وابن ماجة (3828) الدعاء، باب فضل الدعاء، وقال الألبانيفي صحيح الجامع (3407) صحيح
(3) رواه أحمد 2/ 362، والبخاري في الأدب المفرد (712) باب فضل الدعاء، وابن ماجة (3829) الدعاء، باب فضل الدعاء، والترمذي (3370) الدعوات، باب فضل الدعاء، وصححه الحاكم في المستدرك1/ 490، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (549).
(4) تحفة الذاكرين ص30.
(5) رواه الترمذي (3571) الدعوات، باب انتظار الفرج، وضعفه، وانظر الضعيفة (492).
(6) عيون الأخبار لابن قتيبة، 2/ 287.
(7) أخرجه أحمد 2/ 442، والترمذي (3373)، وابن ماجة (3827) الدعاء، باب فضل الدعاء، وصححه الحاكم (1/ 491)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (512).
(8) انظر تحفة الذاكرين للشوكاني ص31.
(9) العبودية ص94_95.
(10) رواه ابن حبان، الموارد:1939، كتاب الأدب، باب ما جاء في السلام، وكتاب الدعاء (60)، باب العجز في الدعاء، وقال الألباني في صحيح الجامع (1044): صحيح، وانظر الصحيحة (154).
(11) رواه أحمد 3/ 18، والترمذي (3381) الدعوات، باب ما جاء في أن دعوة المسلم مستجابة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5678).
¥