تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حاجة العبد إلى عبادة الله فقال: (واعلم أن فقر العبد إلى أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً ليس له نظير فيقاس به، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب وبينهما فروق كثيرة .. فإن حقيقة العبد قلبه وروحه [5] وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره) ثم شرع ابن تيمية يبين سبب ذلك اللجوء والاحتياج إلى عبادة الله وطاعته، وقد ذكر ذلك في عدة وجوه وأسباب فقال:

(أحدها: [6] أن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقُوْتُه وصلاحه وقوامه، كما عليه أهل الإيمان، وكما دل عليه القرآن .. ) ثم ذكر نفي المشقة والتكليف وإطلاق ذلك على العمل الصالح والإيمان، وأن السلف لم يطلقوا ذلك عليهما، وإنما أطلقه المتكلمون، وقد ذكر في القرآن بالنفي: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} قال: (أي وإن وقع في الأمر تكليف فلا يكلف إلا قدر الوسع، لا أنه يسمي جميع الشريعة تكليفاً، مع أن غالبها قرة العيون، وسرور القلوب، ولذات الأرواح، وكمال النعيم). [7]

ثم قال: (الأصل الثاني: أن النعيم في الدار الآخرة أيضاً به – أي بالله وبعبادته- مثل النظر إليه .. ) كما في الدعاء المأثور (أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) رواه النسائي وصححه الألباني [8]. وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار! قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه سبحانه! فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهو الزيادة).

والمقصود بالزيادة ما ذكر في قوله-تعالى-: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، ثم قال ابن تيمية: (فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم الله في الجنة، لم يعطهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه).

ثم ذكر أن هذين أصلان ثابتان في الكتاب والسنة، وعليهما أهل العلم والإيمان قاطبة .. والمقصود أن العبد محتاج إلى عبادة الله والقرب منه، والاستئناس بجواره-عز وجل- فمن فقد ذلك شقي، وهو الضنك المذكور في قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

قال: (الوجه الثالث: أن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضر ولا منع ولا عطاء، ولا هدى، ولا ضلال، ولا نصر، ولا خذلان، ولا خفض، ولا رفع، ولا عز، ولا ذل، بل ربه هو الذي خلقه، ورزقه، وبصّره، وهداه، وأسبغ عليه نعمه، فإذا مسه الله بضر لم يكشفه عنه غيره، وإذا أصابه بنعمة لم يرفعها عنه سواه .. ) انتهى كلامه.

وخلاصة القول هنا: أن الله خالق العبد والمتصرف في أموره، فالحاجة تجعل العبد يرجع إلى الله، وينيب إليه في كثير من مشاكل الحياة، حتى أنك لترى كثيراً من الناس إذا أصيبوا بكارثة رفعوا أيديهم إلى الله -عز وجل ... حتى أني سمعت قصة عجيبة عن رجل روسي وكان يتدرب على القفز المظلي (من الطائرة) فلما قفز من الطائرة لم تنفتح المظلة وهو يهوي في السماء وهي مغلقة، فدعا بلغته: يا الله! فانفتحت ونزل إلى الأرض بسلام، فهذا مع بعده عن الله، وكفره بآيات الله قبل ذلك في دولة اشتراكية ملحدة، لما ضاقت السبل وانقطعت الأسباب البشرية الضعيفة التي تشبه خيوط العنكبوت في الهوان نادى: يا الله! اتجهت الفطرة إلى الله -سبحانه وتعالى- .. وهكذا فالعبد مجبول على عبادة الله، وحبه، ودعائه، ولكن كما جاء في الحديث القدسي: (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً .. ) رواه مسلم.

ثم قال ابن تيمية -رحمه الله-: (الوجه الرابع: أن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه إذا أخذ منه القدر الزائد على حاجته في عبادة الله، فإنه إن نال من الطعام والشراب فوق حاجته ضره وأهلكه، وكذلك من النكاح واللباس) انتهى كلامه ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير