تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول حاجة العبد إلى المخلوق قليلة وآنية، وحاجته إلى عبادة الله وطاعته دائمة، كما في الحديث: (أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عنالناس) رواه الطبراني وحسنه الألباني.

ثم ذكر الوجه الخامس من وجوه وأسباب حاجة العبد إلى عبادة الله فقال:

أن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته، فإنه يخذل من تلك الجهة، وهذا أيضاً معلوم بالاعتبار والاستقراء، فما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغير الله إلا خذل) انتهى كلامه ..

ونحن نجد هذا واقعياً .. فرحم الله ابن تيمية على إبراز هذا المعنى، حيث نجد كثيراً من الذين كان لهم العباد نصراء ووزراء أول من يخذلونهم .. فنحن نجد على سبيل المثال ابن العلقمي الذي كان الخليفة العباسي يقربه ويدنيه منه، كان أول من خذله! وأشد من قتله!! وهكذا على مدى التاريخ، كم من هزائم ونكبات كانت بسب أقرب المقربين! وفي العصر الحديث نجد: دولة صدام حسين زالت بسبب الخيانة الكبرى من أقرب أقربائه كما علم ذلك، وانتشر بين الناس ... فسبحان الله ما أعظم وما أعزّ من استنصر به ولجأ إليه، وما أسرع خذلان من اعتز وعبد ولجأ إلى غيره!.

ثم ذكر وجوهاً إلى أن قال: (الوجه التاسع: أن الخلق لو اجتهدوا أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بأمر قد كتبه الله لك، ولو اجتهدوا على أن يضروك لم يضروك إلا بأمر قد كتبه الله عليك، فهم لا ينفعونك إلا بإذن الله، ولا يضرونك إلا بإذن الله، فلا تعلق بهم رجاءك ولا خوفك، قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} انتهى.

فهذه الوجوه والأسباب وغيرها اقتضت أن يكون العبد محتاجاً إلى الله: أُنساً به، وقرباً منه، ورجوعاً إليه وعبادة له -عز وجل-.

إلى هنا ننهي حديثنا عن هذه الفقرة .. وسيأتي في الدروس القادمة -إن شاء الله- ذكر ما يتعلق بالعبادة من مفاهيم وتاريخ حولها .. والله الموفق ...

[1]- لسان العرب 3/ 372 - 374.

[2]- تاج العروس باب (عبد)

[3]- معجم مقاييس اللغة (4/ 205 - 206). ط/ دار الجيل.

[4]- العبودية ص38. ط/ المكتب الإسلامي/ الخامسة 1399هـ.

[5]- وهذا كما قال زهير بن أبي سلمى: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم.

[6]- ذكر في الأصل (أحدهما) فهو ذكر وجهين ثم ذكر بقية الوجوه بعدهما، ونحن قلنا: (أحدها) للجمع، على ما سيأتي ..

[7]- قاعدة جامعة في التوحيد (ص34 - 36). ط/ دار العاصمة – السعودية.

[8]- صحيح سنن النسائي (1237).

[العبادة]

(2 - 4)

عبادة العالمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

غير خاف على ذي لب من المؤمنين أنه لابد في العبادة من معرفة أصلها اللغوي ومعناها الشرعي علماً وعملاً، واضطرار الناس إليها، وأنه لا غنى لأحد عنها طرفة عين، وأن من ظن أنه يستغني عن الله وعبادته في الدنيا فقد أفحش الوهم، وأعرق في الجهل، ونصيبه في الدنيا الهموم والأكدار والضنك وفي الآخرة عذاب أليم شديد .. !

الخلق كلهم عبيد الله:

فالخلق كلهم عبيد الله مؤمنهم وكافرهم، حتى من عصى الله وكفر به وحجد هذه العبودية، فإنَّ حاله يشهد بأنه عبد مذلل لله، إليه يرجع، لا مفر له منه إلا إليه –سبحانه- وبهذا الاعتبار (أي أن العبد يراد به المعبَّد المذلل لله، فالمخلوقون كلهم عباد الله: الأبرار منهم والفجار، والمؤمنون والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم، لا يخرجون عن مشيئته وقدرته، وكلماته التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر، فما شاء كان وإن لم يشاؤوا، وما شاؤوا إن لم يشأه لم يكن، كما قال –تعالى-: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (83) سورة آل عمران, فهو سبحانه رب العالمين، وخالقهم ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، ومقلب قلوبهم، ومصرف أمورهم، لا رب لهم غيره، ولا مالك لهم سواه، ولا خالق لهم إلا هو، سواء اعترفوا بذلك أو أنكروه، وسواء علموا ذلك أو جهلوه، لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك، وآمنوا به،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير