قالوا: ولا الجهاد في سبيل اللَّه، قال: ولا الجهاد في سبيل اللَّه فيتقرب المسلم إلى اللَّه جل وعلا في هذه العشر بما أحب من التهليل والتسبيح والتكبير، وقد كان أبو هريرة وابن عمر ? يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وهذا أثر جيد، وقد علقه البخاري في صحيحه وجزم بصحته ()، وهذا ظاهر الآية: ? وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ?، ويدخل في الذكر أولى أنواع الذكر قراءة القرآن وقد كانت جماعة من السلف يستكثرون في هذه العشر من قراءة القرآن ويختمونه أكثر من مرة، بحثاً عن الأجر والثواب وتقرباً إلى اللَّه جل وعلا، وكان جماعة آخرون يكثرون من الصلاة ومن العبادة.
صفة التكبير:
جاء في مصنف أبي شيبة قال: حدثنا أبوالأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال: كان عبد اللَّه بن مسعود ? يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر يقول: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ". ()
وروى إسحاق رحمه اللَّه عن فقهاء التابعين رحمهم اللَّه: كانوا يقولون في أيام العشر: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه في غير الحج: أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود ?: أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره.
الصيام:
قد جاء عن الأئمة الأربعة استحباب الصيام في هذه العشر.
وقد جاء في الباب حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ? قالت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ ". رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ().
وهذا الخبر فيه اضطراب، وقد أعله المنذري وغيره، ولم يثبت عن النبي ? أنه صام العشر، وقد ذكرت عائشة رضي اللَّه عنها قالت: " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? صَائِمًا فِى الْعَشْرِ قَطُّ ". رواه مسلم في صحيحه ().
وحينئذٍ نقول بمشروعية الصيام في هذه العشر على اعتبار أنه عمل صالح وليس سنة خاصة للعشر، لأن هذا لم يثبت به دليل فمن أحب أن يصوم العشر، أو يصوم بعضها أو يصوم يوم ويفطر يوم فلا حرج في ذلك لأنه عمل صالح فتقرب إلى اللَّه جل وعلا بما استطعت.
لعموم حديث ابن عباس المتقدم: ما من أيام العمل الصالح، ولا يجوز إخراج الصيام من هذا العموم إلا بدليل، ولا دليل في هذا الباب بل فهم الصحابة دخول كل القرب. حيث قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، فهذا أفضل من العمل في هذه العشر أما بقية الأعمال فلا يمكن مقارنتها بالعمل في هذه العشر؟
صلة الرحم:
قال اللَّه تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ()
وجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك ? قال: قال رسول اللَّه ?: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " ().
وفي البخاري من حديث أبي هريرة ? قال: قال رسول اللَّه ?: " وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ".
وفي الصحيحين من طريق الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه ? أنه سمع النبي ? يقول: " لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ "، قال سفيان: يعني قاطع رحم ().
وصلة الرحم: تكون بأمور متعددة، فتكون بزيارتهم والإهداء إليهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، واحترام كبيرهم، وخاصة الوالدين إن لم يكونا معك في بيت واحد ثم الأقارب الأدنى ثم الأدنى الأصول ثم الفروع.
وقال الإمام النووي رحمه اللَّه: صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك.
¥