تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل تُبنى الكنائس بالمملكة؟ بيان للشيخ عبد الوهاب الطريري

ـ[ابو البراء عامر]ــــــــ[25 - 03 - 08, 05:27 م]ـ

كثيراً ما تثار قضية عدم السماح لغير المسلمين ببناء معابد لهم في المملكة العربية السعودية، ويطرح الموضوع على أنه رفض للآخر، وعدم اعتراف بحريته في التدين، وممارسة ما يعتقده من عبادات، وربما كانت إثارة هذا الموضوع مدرجاً إلى إثارة قضايا أخرى هي من خصوصية هذه البلاد، ومن لوازم سيادتها واستقلالها، أو يُعْبر منها أحياناً إلى النيل من أحكام الإسلام وتعاليمه.

ولذا فإن مناقشة هذه القضية وتجليتها يعرض في نقاط كاشفة هي:

أولاً: لتصحيح النظرة لهذا الموضوع لا بد من توسيع قاعدة النظرة التاريخية إليه، وذلك بالنظر إلى الدولة الإسلامية كدولة واحدة، وهكذا كان حالها طوال فترة تاريخها مع بعض الاستثناءات القليلة.

وعندما ننظر إلى الدولة الإسلامية في رقعتها الواسعة سنجد أن المسلمين كفلوا حقوق رعاياهم من غير المسلمين، ومن ذلك حق التعبد في المعابد الخاصة بهم، في مشهد من مشاهد التسامح والوفاء يندر نظيره، ومن ذلك عهد النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى نصارى نجران، وفيه إبقاء معابدهم التي يتعبدون فيها.

فقد جاء في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم "لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وملتهم وبيعهم" (1).

بل الأعجب من ذلك ما رواه ابن إسحاق في السيرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم- سمح لنصارى نجران لما وفدوا إليه أن يقيموا صلاتهم في مسجده، ولما أراد الصحابة منعهم قال دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم (2).

وقد كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه جعل الصوامع والكنائس مكاناً آمناً لا يجوز التعرض للمعتزلين فيه، فقد رُوي عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه لما أرسل جيش مؤتة قال لهم: (ستجدون فيهم رجالاً في الصوامع معتزلين من الناس فلا تعرضوا لهم) (3).

ولما بعث أبو بكر الصديق يزيد بن أبي سفيان للقتال في الشام قال له (إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله – يعني في الصوامع – فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له) (4).

وعندما عاهد عمر أهل بيت المقدس كان من ضمن ما نص عليه حماية كنائسهم وصلبانهم. وقد جاء في ذلك العهد "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم وسائر ملتهم لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبها ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم" (5).

وفي عهد خالد بن الوليد لأهل (عانات) نصّ على مثل ذلك؛ إذ ورد فيه: "ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أية ساعة، وأن يُخرجوا الصلبان في أيام عيدهم" (6).

بل بلغ الحرص على رعاية حقوقهم في معابدهم الغاية في الوفاء والصيانة يظهر ذلك في رفض (عمر) الصلاة في كنيسة القيامة لما عرض عليه نصارى القدس الصلاة فيها على سبيل الإكرام له؛ فأبى ذلك خشية أن يتخذها المسلمون سنة من بعده، فيغلبوا النصارى بكثرة صلاتهم فيها على أداء عبادتهم في كنيستهم واختصاصهم بها، وكما حافظ النصارى على كنائسهم فقد أنشؤوا كنائس جديدة في مدن المسلمين وحواضرهم، فقد بنيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري مثل كنيسة مارمرقص بالإسكندرية عام 39هـ، وكنيسة الفسطاط عام 47هـ وقد ذكر المقريزي في كتاب الخطط أمثلة عديدة ثم ختم بقوله: وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلام بلا خلاف (7).

ونال النصارى في مصر تحت ظل المسلمين الذين يخالفونهم في الدين ما لم ينالوه تحت حكم الرومان الذين يوافقونهم في الدين ويخالفونهم في المذهب.

واستنطقت عظمة هذا العدل والتسامح والوفاء المنصفين من المؤرخين، يقول (لول ديورانت): لقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأُموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم (8).

وقال المؤرخ (ترتون): لقد كان سلوك حكام المسلمين - في الغالب - أحسن من القانون المفروض عليهم تنفيذه على الذميين، وليس أدلَّ على ذلك من كثرة استحداث الكنائس وبيوت العبادة في المدن العربية الخالصة (9).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير