[التفصيل المنير في حكم رضاع الكبير .. لشيخنا رائد بن عبد الجبار المهداوي]
ـ[فادي بن ذيب قراقرة]ــــــــ[05 - 04 - 08, 11:30 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإنَّ مسألة رَضاعِ الكبير مما اختلف فيه أهل العلم قديماً، وكثر الجدال فيه حديثاً بعد ما تناقلته بعضُ وسائل الإعلام من فتاوى ـ في هذه المسألة ـ عن بعض الأزهريين ـ جائرةٍ عن السبيل، ومخالفة للدليل، فرَغِبْتُ في أن تكونَ لي مشاركة علميّةٌ في توضيح هذه المسألة وتجليَتِها، وبيان أقرب الأقوال إلى الصواب فيها ـ فيما يظهر لي ـ والله أسألُ أن يوفقني وسائر المسلمين لمعرفة الحق واتِّباعه والدعوة إليه.
خلاف العلماء في رضاع الكبير:
اختلف أهل العلم في مسألة رضاع الكبير على ثلاثة أقوالٍ؛ طرفين ووسط.
القول الأوّل: أنَّ رضاع الكبير ليس بشيء، وأنّه لا يحصل به التحريم كما يحصل في رضاع الصغير.
وقد نقل الحافظ أبو عمر بن عبد البَرِّ في "التمهيد" (3/ 616 ط: العلمية تحقيق عبد القادر عطا)، أنَّ هذا القول هو مذهب جماعة فقهاء الأمصار ومنهم الأئمة الأربعة وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، والطبري. وقال به من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وابن عباس، وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة، وجمهور التابعين. وينظر أيضاً: "المغني" لابن قدامة (9/ 201 ط: العلمية)، و"بداية المجتهد" لابن رشد الحفيد (3/ 1311 ط: دار السلام).
القول الثاني: أنَّ رضاع الكبير يثبت به التحريم مطلقاً كرضاع الصغير.
وقد نقل ابن حزم في "المحلّى" (9/ 205)، وعنه الشوكانيُّ في "نيل الأوطار" (6/ 751) أنَّ هذا القول هو مذهب علي بن أبي طالب، وضعّف ذلك ابن عبد البرِّ في "التمهيد" (3/ 614) وقال: "ولا يصح عنه، والصحيح عنه أن لا رضاع بعد فطام" ا. هـ.
وهذا القول هو مذهب داود الظاهري كما نقله عنه النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 375 ط: دار إحياء التراث، تحقيق عرفان حسونة). ونصره ابن حزم في "المحلّى" (9/ 202) وقال: " ورضاع الكبير محرِّمٌ ـ ولو أنّه شيخ يحرِّمُ ـ كما يحرِّ م رضاع الصغير ولا فرق" ا. هـ
وبه قال الليث بن سعد، وابن عليّة، وهو ثابت عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ ومروي عن عروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح.
وينظر في ذلك: المغني (9/ 201 ط: العلمية)، و"التمهيد" (3/ 614)، و"بداية المجتهد" (3/ 1311 ط: دار السلام) و"نيل الاوطار" (6/ 751ط: دار الخير)، و "المحلى" (10/ 205 ط: العلمية تحقيق الدكتور عبد الغفار البنداري)، و"شرح مسلم للنووي" (5/ 375ط: دار إحياء التراث)، و"زاد المعاد" (5/ 515ط: الرسالة)، و "الروضة الندية" (2/ 331)، و"توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (6/ 10).
القول الثالث: وسط بين طرفين؛ وهو أنَّ الرضاع يعتبر فيه الصغر، إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها منه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثَّر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثِر إلا رضاع الصغير.
وبه قال شيخ الإسلام ابن تيميّة، وابن القيّم، ورجّحه الشوكانيّ، وصدّيق حسن خان، والألبانيُّ، وغيرهم.
وينظر: "زاد المعاد" (5/ 527)، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (34/ 60)، و"نيل الأوطار" (6/ 752)، و" الروضة الندية" (2/ 331)، و"فتح الباري" (9/ 68 ط: دار مصر للطباعة) تحت حديث: (5102)، و"الموسوعة الفقهية الميسّرة" (5/ 89)، و"فقه السنة" (2/ 162 ط: دار الجيل)، و"نظام الأسرة في الإسلام" (3/ 420، 423)
سبب الاختلاف في هذه المسألة:
قال ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 1312 ط: دار السلام، تحقيق الدكتور عبد الله العبادي):
¥