جنايات على العلم والمنهج (1) العكوف والدوران على كتب بعينها لا تُجاوز ...
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[03 - 04 - 08, 02:43 م]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى له وصحبه ومن والاه وبعد ...
فمن أشد المسالك خطراً على العلم وأهله =العكوف على كتب بعينها والدوران حولها قراءة وشرحاً وتحشية وتقريراً بحيث تهوي هذه الكتب بأخوات لها قبلها ومعها وبعدها في غياهب النسيان وجب الغفلة ... وبحيث يؤدي هذا العكوف بالطالب إلى صنع سياج من الإلف والعادة يحول بينه وبين تتبع أوائل الأمور،وتحقيق ما في هذا الكتب من تصورات وأحكام، ثم يقوده كل ذلك إلى سجن كبير يتعامل الطالب فيه مع ما ورد في هذه الكتب على أنه حزم من المسلمات التي لا يجوز نقضها أو حتى مجرد البحث في مدى سلامتها.
وهذه الجناية تحديداً هي التي أودت بالأزهر ذلكم الصرح العلمي الشامخ، والذي بات –من أثر هذه الجناية-عقبة كؤوداً في طريق التجديد والمجددين، وسيفاً مسلولاً في وجه كل من يفكر في تجاوز تقريرات الرازي والسبكي ونظرائهم في مجالات العلم المختلفة.
وأنت تجد أثر هذه الجناية أينما وجهت بصرك وطوفت به في أبواب العلم .. ولا يخفاك ما لمقدمة ابن الصلاح ونزهة الحافظ من سطوة على قلوب طلاب علم الحديث حتى أصبح مجرد التعرض لما فيهما من خلل منهجي تهمة ومن بدع المحدثين ..
ولا يفوتني الإشارة إلى عبارة ابن الملقن الشهيرة عندما قال لبعض المالكية: أنتم قاسميون .. أي إن دورانكم حول مدونة ابن قاسم وعدم تجاوزها إلى غيرها من المنقولات وسبل العلم بما كان علي مالك =رفع عنكم لقب المالكية ولم يبق لكم إلا لقب صاحب الكتب الذي تطوفون حوله ...
وأنت اليوم تجدُ هذه الجناية في أوساط التعليم غير النظامي للسلفيين =وقد اتخذت أعتى صورها شراً وأشدها خطراً ...
ذلك أن الدوران حول كتب بعينها قديماً كان يحصل في مستويات مختلفة من الكتب والمراحل العلمية .. أما اليوم فالسلفيون يدورون حول مجموعة من الكتب المتقاربة المستوى ولا يعدونها إلى غيرها مما هو أشد صعوبة وأكثر عمقاً في العلم محل البحث ...
فالكتب التي تُدَّرس في الاعتقاد بداية من ثلاثة الأصول وانتهاء بمتن الطحاوية كلها قريب من قريب .. وليس فيها ما هو بعيد الغور بحيث يرفع من مستوى طالب العلم ويجعله مؤهلاً لفهم مطولات شيخ الإسلام أو لتحرير بعض مشكلات عقائد أهل السنة فضلاً عن فهم كتب أهل الفرق .. ولا أستثني من الكتب المدرسة شيئاً سوى التدمرية على قلة ظاهرة في شروحها ومن يَدرسها ويُدرسها ...
وأصول الفقه من الورقات إلى قواعد الأصول إلى ... إلى ... كلها كالسابق لا يُستثنى إلى ما يصنعه البعض من تدريس وشرح روضة الناظر وهو شيء يكاد يكون محصوراً في الدراسة النظامية أما خارجها فأندر من النادر فضلاً عن الخلل الناتج من اعتبار الروضة مرحلة صالحة للتدريس بعد المتون المختصرة ...
وقس على هذا ....
ولولا عناية بعض مدرسي مصطلح الحديث بتدريس مثل شرح العلل ومقدمة ابن الصلاح والنكت لكانت العلوم جميعاً هكذا ... على أن الصورة في المصطلح أيضاً ليست وردية تماماً ...
وفوق ماذكرنا من سلبيات هذا العكوف فإن الصورة المعاصرة تضيف لنا سلبية جديدة وهي: أن المدرسين المعاصرين لديهم القدرة على شرح الكتب المتقدمة الأشد عمقاً ولكن هذه الصورة ستُنتج لنا جيلاً من المدرسين عاجز عن تجاوز هذه الكتب وفهمها وبالتالي عاجز عن شرحها ... إلا إذا عانى هذا الشرح اعتماداً على الفهم الذاتي والمصيبة عندئذ تكون غالباً أعظم ....
وأنت تجد أن لطالب المجد إذا تجاوز الكتب المبتدئة فإنه لا يجد من يأخذ بيده ويساعده على ما هو أبعد غوراً منها وأشد عمقاً ... فلا يجد حيلة إلا أن ينقلب مدرساً لما درسه هو من كتب البدايات ... وبالتالي تخسر الأمة عالماً كان منتظراً ... أو أن يُقبل هو على فهم المطولات بنفسه وغالباً ما يُنتج هذا متعالماً متفيهقاً جديداً تبتلى به الأمة ...
وإذاً:
فلابد من الترقي في مدارج الطلب وأن يُصاحب هذا الترقي ترقياً من المدرسين والشراح فلا يطوفون حول كتب معينة لا يغادرونها إلا لما هو أغرب اسماً ولا يبعد عن مستوى ما يدرسون ... في سلسلة نكدة من التكرار والاجترار ... بل لابد من الانطلاق إلى تراث القرون السابقة ومعاناة شرحه وتقريبه للأجيال المعاصرة .. وأن نعرفهم مظان العلم وأن نعودهم التحقيق ومعاناة بذل الوسع في الوصول إلى الحق دونما آصار أو أغلال تقعد بهم عن بلوغ أسمى الغايات ...
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[03 - 04 - 08, 06:49 م]ـ
حديثك هذا في نفسي منذ زمن، فسبقت إلى رقمه ياأبافهر. جزيت خيرا.
ـ[أبو هجير البيضاوي]ــــــــ[03 - 04 - 08, 09:24 م]ـ
هذا الكلام التنظيري صحيح، وقد يدركه كثير من طلبة العلم،وفي ظني أن الأمر أعمق من المذكور،فإنه بعد الشيخ تقي الدين الحراني لا نكاد في الجملة نجد تميزا ظاهرا بعده وقصدي أصول الدين -لا الفروع الفقهية- فحتى علماء الدعوة النجدية و أعلام العصر كالشيخ ابن سعدي والشيخ ابن عثيمين والشيخ البراك والشيخ الغنيمان ..... لا يخرجون في الجملة عن تقريرات الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ..... وبالتالي الارتباط التاريخي ظاهر جدا فالتميز يظهر عند نقاش المذاهب القديمة كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة،لكن لا يظهر الأثر نفسه عند مناقشة المذاهب الحادثة والأفكار الفلسفية كالوجودية ونحوها ................
نعم لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات لكن أكثر المشايخ لا يخرجون عن القاعدة.
وللإخوة كامل النظر للتقويم والنقد.
¥