وشرائط إنتاجه وتقريبه. والتقْريب سَوْقُ الدَّليل على وجه يستلزم المطلوب. والْمُلازَمَة كون الشيء مقتضياً لآخر. والأول مَلْزوم والثاني لازِم. واللازم قد يكون مساوياً للمَلزوم وقد يكون أَعَمُّ منه مطلقاً لاغير. ثم اعلم أن طَلَبَ الدَّليل على المُدَّعى أو على مُقَدِّمَة دليله وطَلَب تصحيح النقل قد يكون مما يُشْتَقُّ من لفظ الْمَنْع كأن تقول هذا ممنوع. وقد يكون بما لا يُشْتَقَّ منه كأن تقول فيه مناقشة، أو أنه غير مُسَلَّم، أو لا نُسَلِّمُ ذلك، أو هو مطلوب البيان. والأول مُجاز في المُدَّعى والنقل ولا مُجاز في بواقي*
الألفاظ. هذا إن كان المُدَّعى أو مُقَدِّمَة دليله غير مُدَلَّل وإلا ففي استعمال الألفاظ المذكورة كلها فيهما مجاز في النِسْبَة. والمنسوب إليه في الحقيقة شيء منه مُقَدِّمات دليلهما. ثم إن الْمَنْع في شيء منه الصُوَر لا يحتاج إلى سند. فإن لم يُذْكَر معه سند يُسمى منعاً مجرداً. وإن ذُكِرَ يُسمى مَنْعاً مع السَّنَد. والسَّنَد ما يَتَقَوّى به الْمَنْع برغم الْمانِع. وتنوير السَّنَد ما يُذْكَرُ لتوضيح السَّنَد. والنَقْضُ في عُرْفِهِم ثلاثة:
- نَقْضُ التعريف وهو إبطاله بعدم الجمع أو الْمَنْع.
- ونَقْضُ الْمُقَدِّمَة وهو لا بد أن يقيد بالتفصيلي وهو الْمُناقَضَة.
- ونقض الدَّليل وهو إبطاله بتخلُّف الْمُدَّعى عنه في بعض الصُوَر أو باستلزامه فساداً وهو قد يُقَيَّدُ بالإجمالي واستعمال النَقْض والْمُعارضة في إبطال النَقْض.
والْمُدَّعى مُجازٌ كما أشار إليه أبو الفتح. هذا إذا لم يكونا مُدلَّلَيْن وإلا في إبطالهما معارضةٌ حقيقية. وكذا إبطال الْمُقَدِّمَة المُدَلَّلة. وأما إبطالها غير مُدَلَّلَة فيسمى غَصْباً. لكن لا مانع من إطلاق النَقْض مَجازاً على إبطال التعريف بغير ما ذكر. وإبطال التَقْسيم والإبطال لا بدل له من دليله. ودليل نَقْض الدَّليل يسمى شاهداً أيضاً. فالشاهد ما يدل على فساد الدَّليل كذا قيل، لكن الشاهد قد يطلق على السَّنَد أيضاً. والْمُعارَضَة إقامة الدَّليل على خِلاف ما أقام الدَّليلَ عليه الْخَصْمُ. وخِلافهُ نقيضه أو ما يستلزمه ولولم يكن للخصم دليل عليه. لا يكون إقامة الدَّليل على خلافه معارضة في عرفهم. والدليل في عرف المنطقيين ما يتركب من قضيتين للتأدي إلى مجهول نظري. وإنما قُيِّدَ بالنظري احترازاً على المجهول البديهي. ويقال له البديهي الخفي وإنما احْتُرِزَ عنه لأن ما يوصل إلى البديهي الخفي يُسَمَّى تنبيهاً. والتنبيه هو الإشارة إلى ما يستفاد من القضية البديهية من الإحساس والتجربة والحدس وغير ذلك كما يقال لإثبات تغير العالم لأننا نشاهد التغييرات فيه من الحركات والآثار المختلفة كذا قيل. وأما الدَّليل في عرف الأصوليين*
فهو ما يُسْتَدَلُّ بوقوعه أو بشيء من حالاته على وقوع غيره أو على شيء من حالاته. ولذا قالوا الدَّليل على وجود الصانع هو العالَمْ كذا قيل. وكذا الدَّليل على وحدة الصانع وكمال حكمته هو العالَمْ. فإنه كما يُسْتَدَلُّ بوقوعه، أي بوجوده، على وجود الصانع كذا يُسْتَدلُّ بشيء من حالاته، وهو كونُه على النظام الأكمل، على وحدة الصانع وكمال حكمته. هذا هو المشهور عندهم وبيان تحقيق عرفهم. وتفصيل الفرق بين العرفين لا يناسب الفن.
ثم اعلم أن الدَّليل المنطقي ينقسم إلى:
• بُرْهان
• وإِمارة
• وجَدَلْ
• ومُغالَطَة
وله أقسام غيرها لا يناسب ذكرها في هذا الفن.
• أما البُرْهان: فهو قياس مؤلف من مقدمات قطعية مشتملة على شرائط الإنتاج. وهو يفيد اليقين بالنتيجة.
• وأما الإمارة: فهي قياس كانت إحدى مُقَدِّمَتَيْه أو كلتاهما ظَنّية وهي لا تفيد إلا الظَنَّ بالنتيجة.
• وأما الْجَدَلْ: فهو قياس كانت إحدى مُقَدِّمَتَيْه أو كلتاهما مشهورة أو مُسَلَّمَة من جهة الْخَصْم. أعني أنها مُسَلَّمَة عند الْخَصْم فيتسلمها المجيب ويبني عليها الكلام لدَفْعِه. والغرض من الْجَدَل إلزام الْخَصْم، وإقناع من هو قاصر عن إدراك مقدمات البُرْهان. فكل جواب يُبْنى على الأمر المُحَقَّق في الواقع فهو جواب تحقيقي. وإن بُنِيَ على ما سَلَّمَه الْخَصْم فهو جواب جَدَلي. وكذا السؤال.
¥