• وأما الْمُغالَطَة: فهي قياس فاسد إما من جهة الصُّورَة بأن لم يشتمل على شرائط الإنتاج أو من جهة المادة بأن كان بعض مقدماته أو كلها كاذبة شبيهة بالصادقة.
أما إذا لم يكن شبيهة بالصادقة لا يسمى القياس الْمُرَكَّب منها مُغالَطَة. ووَضْعُ الطبيعية مقام الكُلّيَة من قبيل انتفاء شرط الإنتاج.
واعلم أن من قبيل فساد المادة اشتمال الدَّليل على المصادرة على المطلوب. وهي في عرف الميزانيين جعل إحدى مُقَدِّمَتَيْه عَيْن النتيجة بِتَغَيُّر ما وإنما اعْتُبِرَ التغيير ليقع الإلتباس كأن تقول: *
هذه نَقْلَة
وكل نَقْلَة حركة.
ينتج أن هذه حركة.
فالصغرى ههنا عَيْن النتيجة وقد بدَّل الحركة فيها بما يرادفها وهي النقلة.
وكأن تقول:
الإنسان بشر
وكل بشر ضحَّاك
ينتج أن الإنسان ضحَّاك.
فالكبرى ههنا عَيْن النتيجة وقد بَدَّلَ الإنسان فيها بما يرادفه وهو البشر.
ومن قبيل جعل إحدى مُقَدِّمَتَيْه عَيْن النتيجة بتغيير ما كَوَّنَ النتيجة وإحدى مقدمتي الدَّليل متضائفتين. فإن إحدى المتضائفتين في قوة الآخر.
فإذا جعل أحدهما مُقَدِّمَة من بُرْهان الآخر كان كجعل النتيجة مُقَدِّمَة من بُرْهانها، كقولك:
هذا ابن لأنه ذو أب
وكل ذي أب ابن
ينتج أن هذا ابن
فالصغرى ههنا في قوة النتيجة لأنهما متضائفتان. كذا في حاشية سيد الشريف على شرح مُخْتَصَر الأُصول. والمتضائفان هما: الأمران المتقابلان اللذان لا يمكن تَعَقُّلُ أحدهما إلا مع تَعَقُّلِ الآخر.
ولذا وقع في التعريفات المصادرة هي: "أن تجعل النتيجة جزءاً من القياس أو يلزم النتيجة من جزء القياس".
يريد بالثاني صورة التضائف المذكورة. وهنا نظر لأن المتضائفين من قبيل المتقابلين اللذين لا يمكن اجتماعهما في موضع واحد من جهة واحدة في زمن واحد. والنتيجة مع الصغرى في المثال المذكور ليست كذلك إذ لا تقابل بينهما، بل المتقابلان هما الابن والأب فهما المتضائفان. فلعل في كلام السيد مسامحة.
والمراد كون مَحْمول الْمُقَدِّمَة تَصَوُّر مَحْمول النتيجة بنسبة إلى ذات متضائفة مأخوذ مع وصف الإضافة حتى لو كانت مَعَرّاة عن الإضافة.
كأن تقول:
لأنه مُتَوَلِّد من نُطْفَةِ إنسان آخر لا يُلْزِمُ المصادرة.
ومما ينبغي أن يُنَبَّهَ عليه أن الاستدلال بثبوت الْحَدِّ على ثُبوت الْمَحْدود ليس من قبيل جعل الدعوى جزءاً من الدَّليل لأن الْمُعَرِّفَ، بالكسر، ليس عَيْن الْمُعَرَّفْ كما صرَّح به. بل هو مفهوم تفصيلي والْمُعَرَّف مفهوم إجمالي فهما ليسا بمترادفين. وكذلك كأن تقول: هذا أسم لأنه دال على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وكل ما*
هو كذلك فهو اسم فليس الدعوى هنا عَيْن الصّغرى. فليس ما قاله ابن الحاجب: " لأنه إما تدل على معنى في نفسه" انتهى مصادرة.
إن قلتَ الدَّليلُ مُرَكَّبٌ منه قضيتين والدَّعْوى قضية واحدة فلا يمكن جعلها عَيْن الدَّليل. فماوجه ما كتبَ في بعض الورقات أن " المصادرة هي جعل الدعوة عَيْن الدَّليل أو جزئه"؟
قلت: لعله إشارة إلى وجه بعيد وهو أن تكون الحدود الثلاثة في الدَّليل مترادفة. فالنتيجة حينئذ تكون عَيْن كل واحدة من مُقَدِّمَةِ الدَّليل فتكون عَيْن الدَّليل.
ولك أن تقول قد تطوى إحدى مقدمتي الدَّليل وتكون الدعوى عَيْن المذكورة. فَيُتَوَهَّم حينئذ كون الدعوى عَيْن الدَّليل للغفلة عن الْمُقَدِّمَة المَطْويَّة كما صدر عن بعض مُحَشَّي شرح الشمسية عند بيان النسبة بين النقيضين. ورَدَّهُ مُحَشّي آخر بأن " الدَّليل ليس عَيْن المذكورة إذ هنا مقدمة أخرى مطوية". فيُحْتَمَل أن يكون ما كتب في بعض الورقات مبنياً على التوهم المذكور. ومن قبيل جعل إحدى المقدمتين عَيْن النتيجة أيضاً توقف العِلْم بإحدى مُقَدِّمَتي الدَّليل على العِلْمِ بالنتيجة بيان ما قاله القطب في شرح مختصر الأصول. ومن هذا القبيل كل قياس دوري وهو أن يثبت إحدى مُقَدِّمَتَيْه بقياس يتألف منه نتيجة القياس الأول وعكس الْمُقَدِّمَة الأخرى. كما يقال كل وضوء رافع الْحَدَث وكل ما هو رافع الْحَدَث يصح بالنِيَّة. بقولنا كل ما هو رافع الْحَدَث وضوءٌ وكل وضوء يصح بالنِيَّة. فكل ما هو رافع الْحَدَث يصح بالنيَِّة انتهى. يقول الفقير ولعل القياس الدوري لا ينحصر في الصورة التي ذكرها بل يوجد في غيرها أيضاً كما في
¥