تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه القاعدة مستفادة من استثناء القرآن الكريم في حالات الاضطرار الطارئة في ظروف استثنائية بقوله ـ تعالى ـ: ((إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ)) [الأنعام: 119] بعد ذكر طائفة من المحرمات، لذا جاز للطبيب الكشف على عورات الأشخاص إذا توقفت عليها مداواتهم، وجاز أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر عند الغصة، والتلفّظ بكلمة الكفر للإكراه، وكذا إتلاف المال وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله بشرط عدم نقصان الضرورة في نظر الشرع عن المحظور الذي اقتضت إباحته كما اشترط الشافعية وغيرهم (7) فلو كان الميت نبياً فلا يحل أكله للمضطر؛ لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر؛ وكذا لو دفن الميت بلا تكفين فلا ينبش منه؛ لأن مفسدة هتك حرمته أشد من عدم تكفينه الذي قام التراب بالستر مقامه.

2 - الضرورات تقدر بقدرها:

هذه القاعدة تعتبر قيداً لسابقتها؛ فالاضطرار إنما يبيح من المحظورات مقدار ما يدفع الخطر؛ فلا يجوز الاسترسال؛ ومتى زال الخطر عاد الحظر؛ فالطبيب يكشف من العورة لمداواتها بالقدر الذي يحتاج إليه كشفه فقط، والمرأة لا يجوز أن يطلع على عورتها للتطبيب أو التوليد رجل إذا وجدت امرأة تحسن ذلك؛ لأن اطلاع الجنس على جنسه أخف محظوراً، وتقبل شهادة النساء في المجالات التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها؛ وذلك بسبب الضرورة، ولكن لا تقبل شهادة النساء فقط دون أن يكون معهن أحد من الرجال في المحال التي يمكن اطلاع الرجال عليها؛ لأن ما جاز للضرورة يُقدّر بقدرها (8).

3 - الضرر لا يزال بمثله (أو بالضرر):

هذه القاعدة تعتبر قيداً لقاعدة: (الضرر يزال) التي أوجبت إزالة الضرر قبل وقوعه ودفعه بعد وقوعه؛ فإزالة الضرر لا يجوز أن تكون بإحداث ضرر مثله؛ لأن هذا ليس إزالة؛ ومن باب أوْلى أن لا يزال الضرر بضرر أعظم منه؛ فالشرط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير، فإن أمكن وإلا فبأخف منه.

وعلى ذلك لا يجوز لإنسان محتاج إلى دفع الهلاك عن نفسه جوعاً أن يأخذ مال محتاج مثله، كما لا يجوز لمن أُكره على القتل أن يقتل إذا كان المراد قتله مسلماً بغير وجه حق.

* وإذا ظهر في المبيع عيب قديم وحدث عند المشتري عيب جديد امتنع رد المبيع بالعيب القديم لتضرر البائع بالعيب القديم إلا أن يرضى (9).

4 - الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.

5 - اختيار أهون الشرين أو أخف الضررين.

6 - إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (10).

هذه القواعد الثلاث ممتدة المعنى؛ أي أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الأخف ولا يرتكب الأشد.

والأصل في هذه القواعد قولهم: (إن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختر أهونهما؛ لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة) (11).

فلو كان برجل جرح لو سجد سال دمه فإنه يومئ ويصلي قاعداً؛ لأن ترك السجود مع المحدث أهون من ترك الصلاة مع المحدث، وترك السجود هنا أيضاً يدفع عن الجريح ضرر خروج الدم ونزفه، وكذا لو أن مصلياً لو صلى قائماً فإنه ينكشف من عورته ما يمنع جواز الصلاة، ولو صلى قاعداً فلا ينكشف منه شيء فإنه يصلي قاعداً؛ لأن ترك القيام أهون.

ولو ابتلعت دجاجة شخصٍ لؤلؤة ثمينة لغيره؛ فلصاحب اللؤلؤة أن يمتلك الدجاجة بقيمتها ليذبحها، وكذا جاز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين إذا كانت ترجى حياته.

7 - يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام:

هذه القاعدة مبنية على المقاصد الشرعية في مصالح العباد؛ واستخرجها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص؛ فالشرع جاء ليحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم؛ فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن؛ تأييداً للمقاصد الشرعية بدفع الضرر الأعم بارتكاب الأخص؛ ولهذه الحكمة شرعت الحدود وشرع القصاص.

ومن فروع هذه القاعدة: جواز رمي كفار تترسوا بالأسرى من المسلمين أو صبيانهم أو نسائهم لدفع ضرر زحفهم عن العموم (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير