قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وهذا من نَوادر ما وقع في البخاري أن يُخَرِّجَ الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين أهـ. [الفتح 10/ 227]
وعللت ذلك بأن البخاري كان يروي من حفظه.
وهذا نص كلامي في مقدمة المزكيات ط البشائر اسوقه لأن بعض الإخوة اتصلوا بي يسالون عن تحقيق المزكيات، فغليكم مقدمة هذا التحقيق:
بِسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
تَنْصَبُّ عناية المصنِّفينَ من المحدثين على المتن تارة وعلى الإسناد أخرى، تكون العناية في الأول لاحظةً سياقة المتن، مهتمةً بزيادات الألفاظ الفقهية، وتنصب العناية في الثاني على إقامة الإسناد، وذِكر الاختلاف بين الرواة، ولذلك قد يسوق المصنِّفُ على هذه الطريقة الإسنادَ ثم يقول: فذكر الحديث، أو: الحديث بطوله،لأنَّّ المتن فرع في الاهتمام عنده.
والصحيحان وكتب السنن - في الجملة - من الكتب التي جمعت بين الطريقتين، ومن التي احتوت المنهجين، ولكن بعضها أقرب إلى أحد النوعين من بعض.
فمسلمٌ رحمه الله يعتني بسياقة المتن أكثر من البخاري، ويسوقه كما سمعه، ويُولي اختلاف الرواة في الألفاظ عنايةً قصوى، فيسوق المتابعات بعد الأصول، ويجمع الطرق في مكان واحد، ويبين فروق الألفاظ، وهذا الأمر في مسلم أشهر من أن يُستدل عليه، وأبين من أن يتطلب مثاله، ولذلك اعتمد من جمع بين الصحيحين أو أَلَّف في أحاديث الأحكام على متون مسلم وألفاظه دون البخاري، كعبد الحق الإشبيلي وغيره، ولعلَّ هذا من حسن الصياغة التي فاق فيها مسلمٌ البخاريَّ.
بينما البخاري يروي ألفاظه بالمعنى، هذا ثابت عنه، وهو مشهور به، جاء عنه أنه قال: ربَّ حديثٍ سمعته في الشام كتبته في الحجاز، وحديثٍ سمعته في الحجاز كتبته في العراق، قيل له: بلفظه، فسكت ولم يقل شيئا.
ومن عجائبه أنّه روى حديثاً بإسنادٍ واحد في موضعين بلفظين مختلفين، وهو حديث عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: في سِحْر النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
رواه في (بدء الخلق) عن إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس، فذكره بلفظ: سُحِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، انتهى الحديث إلى هنا.
وأَعَادَهُ بإسناده في (الطِّب) بلفظ: سَحرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من بني زريق يقال له لَبيد بن الأعصم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وهذا من نَوادر ما وقع في البخاري أن يُخَرِّجَ الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين أهـ.
والبخاري رحمه الله فقيه النفس، دقيق النظر، يقتصر في كل موضع على محل الشاهد، وينبه في الترجمة عليه، ولذلك أقول: في صحيح مسلم صناعة حديثية ظاهرة، وفي البخاري صناعة فقهية أظهر، ولطالب الحديث أن يقدم دراسة مسلم على البخاري، ولطالب فِقه الحديث تقديم دراسة البخاري على مسلم، فإنَّ الحديثي سيستفيد من صياغة مسلم ومن حشده المتابعات، ومن اعتنائه بالألفاظ؛ أنواعاً من علوم الحديث، مثل: معرفة العلل، ومعرفة المتابعات والشواهد، ومعرفة الشاذ والمنكر، ومعرفة الزيادات في الألفاظ ..
إلى غير ذلك مما يحرص عليه الحديثي ويرغب فيه.
بل وفي مقدمة مسلم فوائد مصطلحية، ومقدمات أصولية، لن يجدها القارئ في ما سواه من الكتب الستة.
وأما الدارس لصحيح البخاري فسيرى تراجم فقهية، ومناقشات موضوعية، وحجج وإيرادات، تشحذ الألباب، وتنقح الفهوم، ولأنه تصدى لذلك فربما تصرف في الحديث الواحد ففرقه في مواضع، اكتفاءً بالشاهد في كل محل، وكراهية من التكرير والتطويل فيُمَل.أهـ
فأرشد الاخوة غلى هذا النوع من أحاديث البخاري لجمعه واحصائه، جمعني الله وإياكم على الخير
ـ[أبو عمر محمد بن إسماعيل]ــــــــ[20 - 07 - 10, 11:39 ص]ـ
نفع الله بكم د. أحمد
مع أني لمّا أقتني الكتاب بعد (المزكّيات) إلا أنني قرأت بعض تعليقاتكم على نسخة عند أحد مشايخنا الكرام
فكان من أعجب التعليقات التي وقعت عليها عيني وأعدت قراءتها مرة بعد مرة من إعجابي بها
التعليق على الحديث السابع حديث عائشة: قلت يا رسول الله ما لك تقبل فاطمة جعلت لسانك في فمها كأنك تريد أن تلعقها عسلا؟ .....
جزاكم الله خيرا
ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[20 - 07 - 10, 11:01 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي محمد وبارك فيك ونفعنا بما علمنا ..
ـ[إبراهيم الأبياري]ــــــــ[20 - 07 - 10, 11:06 م]ـ
ثم وقفت على ما يفيد أن جمع هذه الأحاديث استفاده الحافظ من غيره، فقال الحافظ في الفتح 11/ 340: (وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين، وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه).
- نفع الله بكم.
- لعل الحافظ يقصد محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني، المتوفى سنة 842 هـ، مؤلف كتاب (أنوار الدراري في مكررات البخاري).
والله أعلم.