[حاول ول مرة!]
ـ[ابن سالم]ــــــــ[14 - 09 - 03, 05:40 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى على طلبة العلم الشرعي ما كان عليه أئمتنا من حرص شديد على العلم وطلبه، والعمل به، ونصيحة الناس بامتثال شرع ا لله تعالى.
ولقد لفت نظري وشدّ انتباهي همة العالم الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى، حيث إنه رحمه كان حريصاً على وقته وعلى طلبه للعلم، وإعطائه، حتى إنه من كثرة اشتغاله بالتدريس والتصنيف، لم يعد عنده وقت لمراجعة بعض تصانيفه المهمة التي اعتمدها الناس من بعده ـ ككتاب الموضوعات مثلاً ـ وقصة حرصه على الوقت مع زواره معروفة ومشهورة.
ومما يبين لنا كيف كان يعيش ابن الجوزي في طلب العلم وما هي بيئته العلمية، ما كتبه ناصحاً ولده، حاضاً له على طلب العلم، حاثاً له على اغتنام وقته في الطاعة وعدم الخوض مع الناس، واغتنام الأوقات بالقراءة والحفظ والعبادة، قال رحمه الله:
فألزم نفسك يا بني الانتباه عند طلوع الفجر ولا تتحدث بحديث الدنيا، فقد كان السلف ـ رحمهم الله ـ لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيء من أمور الدنيا، وقل عند انتباهك من النوم (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور)، (الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) ثم قم إلى الطهارة، واركع ركعتين سنة الفجر، واخرج إلى المسجد خاشعاً، وقل في طريقك: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، أسألك أن تجيرني من النار، وأن تغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) واقصد الصلاة عن يمين الإمام فإذا فرغت من الصلاة فقل: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير) عشر مرات، ثم سبِّح عشراً، وكبر عشراًًً واقرأ آية الكرسي، واسأل الله سبحانه قبول الصلاة، فإن صح؛ فاجلس ذاكراً الله تعالى إلى أن تطلع الشمس وترتفع، ثم صلِّ واركع ما كُتب لك، وإن كان ثمان ركعات فهو حسن.
فإذا أعدت درسك إلى وقت الضحى الأعلى، فصلِّ ثماني ركعات، ثم تشاغل بمطالعة أو نسخ إلى وقت العصر، ثم عد إلى درسك من بعد العصر إلى وقت المغرب، وصلِّ بعد المغرب ركعتين بجزأين، فإذا صليت العشاء فعد إلى دروسك ثم اضطجع على شقك الأيمن فسبح ثلاثاً وثلاثين، واحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، وقل (اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك) ..
وإذا فتحت عينيك من النوم فاعلم أن النفس قد أخذت حظَّها فقم إلى الوضوء، وصلِّ في ظلام الليل ما أمكن، واستفتح بركعتين خفيفتين، ثم بعدهما ركعتين بجزأين من القرآن، ثم تعود إلى درس العلم، فإن العلم أفضل من كل نافلة ... انتهى
قال ابن سالم: إذا كانت هذه نصيحته لابنه فكيف يا ترى يعامل هو نفسه، فالذي يقرأ هذا يرى أن ابن الجوزي رحمه الله كان يحث ولده على استغلال أوقات الليل والنهار في طلب العلم، والعبادة.
وقوله فإن طلب العلم أفضل من النافلة، قالها بعدما نصحه بالصلاة بعد طلوع الشمس بثمان ركعات، وبعد ارتفاع الضحى الأعلى بثمان ركعات أُخَر، وبعد المغرب بركعتين يقرأ فيهما جزئين، وبعد العشاء ما أمكن؛ وذكر أربع ركعات، ثنتين خفيفتين، وثنتين طويلتين بجزئين. ثم يعود إلى طلب العلم، ويترك النافلة.
يصلي في الليلة الواحدة أربعة أجزاء، مع السهر على طلب العلم.
ولذلك رحمه الله لم يترك فناً إلا وقد صنف فيه مصنفاتٍ، فقال في وصيته لابنه أيضاً:
وقد علمتَ يا بنيّ أني قد صّنفتُ مائة كتاب، فمنها (التفسير الكبير) عشرون مجلداً، و (التاريخ) عشرون مجلداً، (تهذيب المسند) عشرون مجلداً، وباقي الكتب بين كبار وصغار يكون خمس مجلدات ومجلدين وثلاثة وأربعة وأقل وأكثر، كفيتك بهذه التصانيف عن استعارة الكتب وجمع الهمم في التأليف.
فعليك بالحفظ، وإنما الحفظ رأس المال والتصرف ربح، واصدق في الحالين في الالتجاء إلى الحق سبحانه فراعِ حدودَه. قال تعالى {إن تنصروا الله ينصركم}، {فاذكروني أذكركم}، {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}.
ثم بين رحمه الله سبب البركة في الوقت والمال، فقال:
وإياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به، فإن الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا قد أعرضوا عن العمل بالعلم فمنعوا البركة والنفع به.
وإياك أن تتشاغل بالتعبد من غير علم، فإن خلقاً كثيراًً من المتزهدين والمتصوفة ضلوا طريق الهدى إذا عملوا بغير علم ... انتهى
رحمك الله يا ابن الجوزي، ولئن فاتنا شيء من نصيحة ابن الجوزي لولده، فلا يفوتنا الأخذ ببعض نصائحه، وأن نعلم أبناءنا على ذلك، عسى أن يخرج من أصلابنا علماء عاملين، يجددون للناس ما اندرس من أمور دينهم. آمين.
ملاحظة: الحديث الذي ذكره ابن الجوزي في دعاء الخروج إلى المسجد لم يصح إسناده، وقد ضعفه أهل العلم.
ـ[نادر سيف]ــــــــ[15 - 09 - 03, 03:02 ص]ـ
أثابكم الله يا أخي الفاضل
قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟
قال:"بنفي الأعتماد و السير في البلاد و صبر كصبر الحمار و بكور كبكور الغراب "