تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما كان بيان (السنة) والذب عنها، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى. ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان، واختلف فيه الناس بين مانع منه، ومجوِّز له. وقد بحثت عمن ألَّف في هذا الموضوع خصوصاً، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه، ويبين السنة فيه - لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع. لذلك رأيت مستعيناً بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي، هل يجوز أم لا؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم، والمجيزين له وأدلتهم، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل. وأسميت هذا البحث ((الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع)).

خطة البحث:

اشتمل البحث على: خطبة الحاجة، ومقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة.

فأما المقدمة: فهي في أسباب اختيار الموضوع، مع بيان خطة البحث. وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث.

وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان.

وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر الجماعي.

والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي.

والمبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم.

والمبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم.

والمبحث الخامس: في حكم الذكر الجماعي.

والمبحث السادس: حول مفاسد الذكر الجماعي.

والخاتمة: في بيان خلاصة البحث ونتائجه.

والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والسداد، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تمهيد: مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة

من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرةً وأصيلاً} [الأحزاب: 41، 42].

فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت، بقلبه، وبلسانه، وبجوارحه، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى، ولاسيما أذكار ما بعد الصلاة، وطرفي النهار، والأذكار عند العوارض والأسباب، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد.

لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها، وهدي النبي r ، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل، وقبوله عند الله تعالى، كما قال r : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (3) أي باطل مردود على صاحبه.

ومما هو معلوم أن العبادات - ومنها الذكر - كلها توقيفية، أي: لا مجال فيها للاجتهاد، بل لابد من لزوم سنة النبي r وشريعته فيها، لأنها شرع من عند الله تعالى، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى، وإلا كان هذا اعتداءً على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعة لله تعالى في حكمه، وقد قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21].

قال السعدي في تفسير هذه الآية: (( .. {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه. فالأصل: الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله ولا عن رسوله ... )) أهـ (4).

فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع، وبما بيَّن على لسان رسوله r . ومن هنا كان لازماً على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألا يحيد عنها قيد أنملة، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفاً هدي رسول الله r في العمل.

ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئاً مخالفاً لما كان عليه رسول الله r هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعاً في الدين، محدثاً في العبادة ما ليس منها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير