تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا العلم أيضاً كما أنه علم بالرب المعبود أيضاً هو علم بالنفس وبالخلق: فيعلم قدر نفسه وضعفه وعجزه، فلا يركن إلى نفسه، ولا يركن إلى المخلوقين؛ لعلمه أنهم مربوبون، وأن الله عز وجل يصرّفهم ويدبّرهم، وأنه بيده ملكوت كل شئ، فالمخلوق ضعيف عاجز لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فكيف يملك لغيره؟! ومن ثم فلا يمتد طمعه إلى أحد من هؤلاء الضعفاء العاجزين، وإنما يكون ملتفتاً إلى الله عز وجل، ولهذا قال بعض أهل العلم:'إذا أردت اليقين فكن أفقر الخلق إلى الله' مع أن الله أغنى ما يكون عنك.

* الثاني: مما يقوى اليقين في نفس الإنسان: دفع الواردات والخواطر والأمور المنافية له: ولهذا كان جهاد الشيطان على مرتبتين اثنتين: جهاده فيما يُلقيه من الشبهات والوساوس والخواطر المزعزعة لليقين، فهذا لا يسلم منه إلا إذا دفعه العبد، وجاهد هذا الشيطان بدفع هذه الخواطر والوساوس والشُبه، فلا يقرأ في كتب الشُبه، ولا يناقش أهل الشُبه، ولا يسمع منهم، ولا يجعل قلبه عرضة لكل آسرٍ وكاسرٍ وقاطع طريق، فلا يدخل في المنتديات في شبكة الإنترنت التي تُلقى الشُبه من قِبَل زنادقة، ومن قِبَل ضُلال ممن ينتسبون إلى الإسلام، أو ينتسبون إلى غيره، فلا يجعل قلبه عرضة لسهام هؤلاء، فقد يدخل فيه شئ ولا يخرج منه؛ ولذلك فإن من الأمور المهمة التي تُعين العبد على الوصول لمرتبة اليقين هو أن يدفع الخواطر والوساوس، وأسباب الشكوك والشبهات، فإذا دفع العبد الشُبه عن قلبه، والشكوك والوساوس؛ فإن ذلك يورثه يقيناً، كما أنه إذا جاهد الشيطان في باب الشهوات؛ فإن ذلك يُورثه صبراً كما قال شمس الدين ابن القيم –رحمه الله-[زاد المعاد 3/ 10]. ولهذا كانت الإمامة في الدين تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.

* الأمر الثالث: من الأمور الموصلة لليقين: العزم الجازم الذي لا تردد فيه في العمل بمرضاة الله عز وجل: فيُقدم العبد على ذلك من غير نظرٍ في الحسابات، فالذي يجلس قبل أن يتوب، وقبل أن يُصحح العمل، أو قبل أن يتصدق، أو قبل أن يصوم يوماً في سبيل الله عز وجل يحسب الأرباح والخسائر؛ قد لا يعمل، وقد لا يتوب، وقد تفوته فرصة الحياة، وهو لم يتقرب إلى الله عز وجل كثيراً، وإنما العبد بحاجة إلى الإقدام والجزم، ولهذا قال بعض أهل العلم:' الاهتمام بالعمل يورث الفكرة، والفكرة تورث العبرة، والعبرة تورث الحزم، والحزم يورث العزم، والعزم يورث اليقين، واليقين يورث الغنى –فلا يلتفت ولا يفتقر إلى أحد سوى الله عز وجل- والغنى يورث الحب، والحب يورث اللقاء'.

* وأمر رابع: من الأمور التي يُحصل بها اليقين: مفارقة الشهوات والحظوظ النفسانية: فإذا كان العبد منغمساً في شهواته، فأني له باليقين؟ وقد قال ابن القيم –رحمه الله- في هذا المعنى: أصل التقوى مباينة النهي، وهو مباينة النفس، فعلى مفارقتهم النفس وصلوا إلى اليقين.

* والأمر الأخير: مما يورث اليقين في قلوبنا، ويكون سباً إلى تحصيله: التفكر في الأدلة التي توصل إلى اليقين: فكلما تواردت البراهين المسموعة، والمعقولة، والمشاهدة على قلب الإنسان؛ كلما كان ذلك زيادة في يقينه وإيمانه، وهذا شئٌ مشاهد، فكثير من الأشياء التي في حياتنا والتي نعايشها، وكثير من الأمور التي شاهدناها، أو التي لم نشاهدها: كيف تيقناها؟ كيف حصل فيها هذا اليقين؟ والله عز وجل قد أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فكيف حصّلنا اليقين فيها؟

حصّلنا هذا اليقين: إما بالمشاهدة بعد أن كان ذلك معلوماً، أو بالمشاهدة ابتداءً، أو أننا حصلنا اليقين بتوارد الأدلة، فنعلم أن هذا الأمر حق لا يقبل الجدل، وأنه شئٌ ثابتٌ راسخ لا يقبل التشكيك. مع أن هذا الأمر قد يكون في نفسه باطلاً، وقد يكون لا حقيقة له، ومع ذلك تجد الإنسان متيقناً له، وعلى سبيل المثال ما ذكرته في أول مجلس من هذه الدورة أين عقل الإنسان؟! كثير من الناس عنده يقين أن عقله في دماغه مع أن الأدلة من الكتاب والسنة تدل على أن العقل في القلب، فكيف وُجد هذا اليقين عند كثير من الناس؟ كيف وُجد عندهم هذا اليقين في قضية غير حقيقية، وليست بصحيحة أصلاً؟ بتوارد ما توهموه أنه أدلة، حتى صار ذلك عندهم لا يقبل التشكيك، ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يستغرب كل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير