* فإن قيل: قال أبو داود كما في سؤالاته ص 199: سمعت أحمد، سئل عن الرجل، يعرف بالتدليس، يحتج فيما لم يقل فيه: (سمعت)؟ قال: (لا أدري)، فقلت: الأعمش، متى تصاد له الألفاظ؟ قال: (يضيق هذا؛ أي: أنك تحتج به). وقال الذهبي في الميزان 2/ 224: ( ... متى قال - يعني الأعمش -: (عن) تطرق إليه احتمال التدليس؛ إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال ... ).
فيقال: إن هذا الكلام محمول على الغالب من حال الأعمش، لا أن يُسَّلم مطلقاً بقبول روايته عنهم، خاصةً إذا صاحب الحديث نكارة متن، فإن هذا قرينة تقوِّي تدليسه، كما هنا، وقد ورد عن بعض الأئمة - ومنهم الإمام أحمد - أنه وصف الأعمش بالتدليس، مع روايته عن أمثال هؤلاء الكبار، وإليك البيان:
قال العلائي في جامع التحصيل ص 189 - 190: ( ... وروى الأعمش عن أبي وائل، عن عبدالله: كنا لا نتوضأ من موطئ، قال الإمام أحمد: كان الأعمش يدلس هذا الحديث، لم يسمعه من أبي وائل، قلت له: وعمن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي وائل، فطرح الحسن بن عمرو، وجعله عن أبي وائل، ولم يسمعه منه، وقال سفيان الثوري: لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم في الوضوء من القهقهة، وروى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، في حديث (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن) قال يحيى بن معين: لم يسمع الأعمش من أبي صالح).
وقد أعل الإمام أحمد حديث (الإمام ضامن ... ) كما في العلل المتناهية 1/ 433:فقال: (ليس لهذ الحديث أصل، ليس يقول فيه أحد عن الأعمش، أنه قال: أنا أبو صالح، والأعمش يحدث عن ضعاف).
قال المعلمي في حاشية تقدمة الجرح والتعديل ص70: (كان الأعمش - رحمه الله - كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيراً من الكبار، ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه، ما سمعه من الكبار).
* فإن قيل: فإن الحافظين العلائي و ابن حجر ذكرا الأعمش في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين كما في جامع التحصيل ص113وتعريف أهل التقديس ص118، وهي طبقة من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه، فيقال: قال العلامة المعلمي في حاشية الفوائد المجموعة ص 351:
(ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة تقبل عنعنتهم مطلقاً كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو الساقط منه ثقة، أو كان ثابتاً من طريق أخرى، ونحو ذلك ... وقد أعل البخاري في تاريخه الصغير ص 86 خبراً رواه الأعمش، عن سالم، يتعلق بالتشيع: والأعمش لا يُدرى، سمع هذا من سالم أم لا؟ قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش، أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها ديناًَ).
أي، لا يمتنع إعلال حديث أمثال هؤلاء، إذا احتف بالخبر قرائن، تدل على أنه دلسه.
ثم إن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد ذكرالأعمش في كتابه النكت 2/ 640في الطبقة الثالثة.
وممن أعل الحديث بذلك أبوبكر البزار، حيث قال – فيما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (8/ 462): (قال البزار هذا الحديث كلامه منكر ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة وليس للحديث عندي أصل انتهى)، وحكى صاحب عون المعبود 7/ 95 كلام البزار هكذا: ( .... وإنما أتى نُكْرة هذا الحديث؛ أن الأعمشلم يقل: حدثنا أبو صالح، فأحسب أنه أخذه عن غير ثقة، وأمسك عن ذكر الرجل، فصار الحديث ظاهرُ إسنادِه حسن).
* فإن قيل: فإن الحافظ ابن حجر قال في الفتح 8/ 462 متعقباً البزار: (وما أعله به ليس بقادح؛ لأن ابن سعد صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح).
فيقال: إن الحديث جاء من طريق يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ورواه عن يحيى راويان:
- محمد بن يحيى الذهلي، كما جاء عند ابن ماجه، وقد رواه بعنعنة الأعمش.
- ابن سعد في طبقاته، وقد رواه بتصريح الأعمش بالتحديث.
¥