و محمد بن يحيى الذهلي أضبط وأحفظ من ابن سعد، وقد قال الحافظ عن الذهلي في التقريب (6388): (ثقة حافظ جليل) وقال عن ابن سعد (5903): (صدوق فاضل) مما يدل على أن رواية الذهلي هي الراجحة، وأن ابن سعد رحمه الله قد وهم فيه، فيكون التصريح بالتحديث شاذاً غير محفوظ، ومما يؤكد هذا أن من تابع أباعوانة من الرواة، وهم: جرير، وأبوبكر بن عياش، وشريك، وأبوحمزة السكري، رووه بعنعنة الأعمش، ولا شك أن اتفاق الرواة، يدل على حفظهم، وعدم دخول الخطأ عليهم، والخطأ غالباً ما يكون في حديث الفرد، وهو عن الجماعة أبعد.
* فإن قيل: إن الأعمش قد توبع، فقال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 462 - لما أورد الرواية المرسلة، التي أخرجها الحارث، وعلقها أبوداود - قال: (وهذه متابعة جيدة، تؤذن بأن للحديث أصلاً)، وقال صاحب عون المعبود 7/ 94 - وهو يتكلم على الرواية المرسلة في السنن - قال: (والحاصل أن أبا صالح ليس بمتفرد بهذه الرواية عن أبي سعيد، بل تابعه أبو المتوكل عنه، ثم الأعمش ليس بمتفرد أيضاً، بل تابعه حميد أو ثابت، وكذا جرير ليس بمتفرد، بل تابعه حماد بن سلمة، وفي هذا كله ردٌ على الإمام أبي بكر البزار ... ).
فيقال: إنما يسلم بأنها متابعة، لو كانت متصلة مسندة، عن أبي سعيد، أما والواقع أنها مرسلة، فإنه لا يفرح بها، ولا تعزِّز الطريق الأولى، بل إن بعض الأئمة قد جعلها علة للطريق الأولى، كما صرح به الحافظ في الموضع السابق من الفتح.
- وقد وهم صاحب عون المعبود، فظن أبا المتوكل يرويه عن أبي سعيد، وليس كذلك، ولعله أُتي بسبب نقص النسخة التي وقف عليها؛ إذ ليس في بعض النسخ: (عن أبي المتوكل، عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وإنما تقف على أبي المتوكل.
الثالثة: نكارة ألفاظه، فقد جاء في عون المعبود 7/ 95 أن المنذري قال: (قال أبو بكر البزار: هذا الحديث كلامه منكرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ولو ثبت احتمل إنما يكون إنما أمرها بذلكاستحباباً، وكان صفوانُ من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدح هذا الرجل ويذكره بخير، وليس للحديث عندي أصل).
أي فلا يليق بصحابي أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما علمت عليه إلا خيراً) أن يضرب زوجه لأنها تطيل القراءة في الصلاة، أو لأنها تقرأ بسورته التي حفظها!
ومما يدل على نكارته: أن النبي صلى الله عليه وسلم كره احتجاج علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما طَرَقه هو وفاطمة - رضي الله عنهما - ليلةً، فقال: (ألا تصليان) فقال عليٌ رضي الله عنه: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال علي - رضي الله عنه -: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبرٌ يضرب فخذه ويقول: [ ... وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا]. أخرجه البخاري (1127) ومسلم (775).
فإذا كان النبي "كره احتجاج عليٍ رضي الله عنه بالنوم في ترك قيام الليل، وأراد منه أن ينسب التقصير إلى نفسه، كما أشار إلى ذلك ابن التين كما في الفتح 3/ 11، فلأن يلوم النبي صلى الله عليه وسلم المتخلف عن لصلاة الفريضة على سبيل الديمومة والاستمرار من باب أولى، والله أعلم.
وقال الذهبي في السير 2/ 549 - 550: (وقد روي: أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: إنا أهل بيت معروفون بذلك، فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم على ساقة الجيش، فلعله آخر باسمه).
وهذا العلة الثالثة لا تنفك عن العلة الثانية، بل تقويها وتؤكدها، فقد قال المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة ص (ح):
(إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا له علة قادحة مطلقاً، حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر، فمن ذلك إعلالهم بأن راويه لم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من التهذيب ... )، ثم ساق أمثلة أخرى ثم قال: (وحجتهم في هذا، بأن عدم القدح في العلة مطلقاً، إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر، الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب، بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق).
الخلاصة:
أن الحديث لايصح مسنداً، وإن كان ثابتًا مرسلاً عمَّن أرسله، وهما أبو المتوكل، وعبيد بن عمير الليثي، والرجال إليهما ثقات ما خلا الطريق إلى عبيد بن عمير، ففيها: موسى بن عامر، صدوق له أوهام، كما في التقريب6979.
ثم إن الحديث ليس فيه مستمسك لمن اعتاد النوم عن الصلاة؛ محتجاً بهذ الحديث، فإن القائلين به، حملوا الحديث على من يُشْبِهُ أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع، واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه، كما أشار إلى ذلك الخطابي في معالم السنن 3/ 337، والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] قال الحافظ في الفتح 8/ 462: ((أي ما جامعتها، والكنف بفتحتين: الثوب الساتر، ومنه قولهم: أنت في كنف الله؛ أي في ستره ... )).
http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=2307
¥