ولعلَّ هذا لا يُعَدُّ اختلافاً على سفيان، بل الظاهر صحة هذه الأوجه عنه عدا الثالث، فإنَّني متوقِّف فيه لحال الراوي عن عبدالله بن عمر وهو عمر بن أحمد بن يزيد، فإني لم أقف له على ترجمة، ولم أجد له إلا حديثاً واحداً وهو هذا الحديث.
ولو قيل بقبول الوجه الثالث أيضاً لكون ابن عيينة قد وافق فيه الثقات كأبي عوانة، وابن جريج، في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة لكان سائغاً.
والثالث: وهو (عبد الله بن عمر بن أبان)، قد اختلف عليه فيه على وجهين:
الأول: عنه عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً). وهذا الوجه رواه عنه عمر بن أحمد بن يزيد.
الثاني: عنه عن ابن عيينة به (مرفوعاً). وهذا الوجه رواه عنه الباغندي.
والوجه الثاني ضعيفٌ؛ لأنَّ الباغندي كثير التدليس والخطأ كما قال الدارقطني، وأحمد بن عبدان [انظر تذكرة الحفاظ 2/ 736].
وقد ضعَّف البيهقي رواية الباغندي هذه بقوله: ((رواه الباغندي مرفوعاً فلم يصنع شيئاً، فقد رواه ابن جريج وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة موقوفاً)).
وأما الوجه الأول فقد سبق التوقف فيه لأجل عمر بن أحمد بن يزيد، إلا أنْ يقال بقبوله لكون ابن عيينة قد وافق الثقات في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة كما تقدَّم.
والرابع: وهو (إبراهيم بن ميسرة)، قد اختلف عليه في رفعه ووقفه على وجهين:
الأول: عنه عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً)، وهذا الوجه قد رواه عنه الجماعة وهم: ابن جريج، وأبو عوانة، وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الثاني: عنه عن طاوس به (مرفوعاً)، وهذا الوجه تفرد به عنه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف كما في الجرح والتعديل (7/ 300)
فالراجح من هذين الوجهين هو رواية الجماعة كما لا يخفى، ولذا قال الحافظ في التلخيص (1/ 130): ((رفعه عن إبراهيم محمدُ بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف)).
والخامس: (وهو عطاء بن السائب)، قد اختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً) وهذا الوجه رواه عنه جرير، والفضيل، وابن عيينة، وموسى بن أعين.
الثاني: عطاء عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً). وهذا الوجه رواه عنه محمد بن فضيل، وحماد بن سلمة، وشجاع بن الوليد.
الثالث: عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كلاهما عن ابن عباس (موقوفاً).وهذا الوجه رواه عنه جعفر بن سليمان فتفرد به.
وهنا يلاحظ أنَّ موسى بن أعين قد رُوي عنه في هذا الحديث وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً). وقد رواه عنه علي بن معبد الرقي، وأبو جعفر النفيلي "وكلاهما ثقة".
والثاني: عنه عن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً). وقد رواه عنه معن بن عيسى "وهو ثقة".
والوجه الأول أصحُّ؛ لأنَّ رواية الثقتين أقوى من رواية الثقة الواحد، ولأنَّ هذه الرواية هي المشهورة عند أهل العلم، والله أعلم.
ثم إنه لو قيل بصحة الوجه الثاني عن موسى أيضاً؛ فهو معلول بشيخه وهو ليث بن أبي سليم، لأنه ضعيفٌ كما في التقريب (ص5721).
وأما ما تقدَّم ذكره من الاختلاف على عطاء بن السائب؛ فلعلَّ أصح هذه الأوجه الثلاثة عنه هو الوجه الأول المرفوع، فإنه رواية الجماعة كما سبق، وهي المشهورة عند أهل العلم كما قال الترمذي رحمه الله: ((لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء)).
وأما رواية حماد بن سلمة، وشجاع بن الوليد؛ فإنَّ البيهقي رواه عنهما تعليقاً، ولم نقف على الإسناد إليهما؛ والله أعلم.
ونحن إذا صححنا رواية الجماعة عن عطاء فلا يعني أن يكون حديثه هنا صحيحاً مطلقاً؛ لأنَّ عطاء بن السائب – وهو صدوق – قد اختلط بأخرة، فينبغي التفريق بين رواية من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعده.
وقد نصَّ الحفَّاظ على أنَّ من سمع منه قديماً كسفيان الثوري، وشعبة فسماعه صحيح، ومن سمع منه بأخرة فسماعه لا شيء [انظر تهذيب الكمال20/ 86].
واستثنى بعضهم أيضاً سفيان بن عيينة، فنقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: ((سماع ابن عيينة مقارب، يعني عن عطاء بن السائب، سمع بالكوفة)) [انظر شرح العلل ص309].
¥