وقال ابن الكيَّال: روى الحميدي عنه قال: ((كنت سمعت من عطاء بن السائب قديماً، ثمّ قدم علينا قدمة فسمعته يحدِّث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه، فاتقيته واعتزلته)) ثم قال ابن الكيال: ينبغي أن يكون روايته عنه صحيحة [الكواكب النيِّرات ص327]
وبالجملة؛ فإنَّ الصواب في حديث عطاء هو رواية من رفعه عنه، وهم: جرير، والفضيل، وموسى بن أعين، وابن عيينة. وهؤلاء رووا عنه بعد الاختلاط لا محالة؛ غير ابن عيينة، فإنه محتمل لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال كما سبق، والله أعلم.
وبعد هذه الدراسة الموجزة لطرق حديث طاوس يمكن تلخيص الأوجه عنه حينئذٍ كالتالي:
الوجه الأول: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوعاً. وهذا الوجه رواه عنه جرير، والفضيل، وموسى بن أعين، وابن عيينة.
الوجه الثاني: عبد الله بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً. وهذا في الوجه الصحيح عن إبراهيم بن ميسرة، أما عبد الله بن طاوس فلم يُختلفْ عليه فيه كما سبق.
وعند النظر والتأمل في أصحاب طاوس هؤلاء نجدهم يختلفون في الضبط والإتقان لحديثه خاصة، فأما إبراهيم بن ميسرة فقد كان أثبت هؤلاء، وقد يدانيه عبد الله بن طاوس في الضبط لحديث أبيه، قال سفيان بن عيينة: ((كان إبراهيم بن ميسرة من أصدق الناس وأوثقهم)) وقال أيضاً: ((كان - أي ابن ميسرة – يحدِّث على اللفظ)).
وقال علي بن المديني: قلت لسفيان -يعني ابن عيينة-: أين كان حفظ إبراهيم بن ميسرة عن طاوس من حفظ ابن طاوس؟ قال: لو شئت قلت لك إني أُقدِّم إبراهيم عليه في الحفظ فعلت. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أحبُّ إليك أو ابن طاوس؟ قال: كلاهما. قال ابن أبي حاتم: يعني أنهما نظيران في الرواية عن طاوس [انظر التاريخ الكبير 1/ 328 والجرح والتعديل 2/ 133].
وأما عطاء بن السائب فإنه لم يكن من المتميِّزين لحفظ حديث طاوس، الضابطين عنه كهذين الاثنين. على أنَّ رواية جرير، والفضيل، وموسى بن أعين عنه كانت في حال الاختلاط كما سبق. فلم يبقَ حينئذٍ إلا رواية ابن عيينة عنه وهي محتملة أنْ تكون قبل الاختلاط لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال، إلا أن عدم شهرة هذا الوجه عند الأئمة يجعل في الأمر ريبة!! ولذا قال ابن عدي في الكامل (5/ 364): ((لا أعلم روى هذا الحديث عن عطاء غير هؤلاء الَّذين ذكرتهم: موسى بن أعين، وفضيل، وجرير)) ونقل الحافظ عن البزَّار قوله: ((لا أعلم أحداً رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس، ولا نعلم أسند عطاء بن السائب عن طاوس غير هذا - يعني الثوري -، ورواه غير واحد عن عطاء موقوفاً)) [التلخيص1/ 130]
ومن المرجِّحات أيضاً لتقديم رواية الوقف على رواية الرفع، أنَّ عبد الله بن طاوس كان يمانياً كأبيه بخلاف ابن ميسرة، وعطاء، فإنهما كانا مكَّيِّينِ. فعلى هذا يكون الراوي أعرف برواية بلديِّه من غيره – لاسيما إ ذا كان أباه – ويكون إبراهيم بن ميسرة، وهو أوثق أصحاب طاوس هؤلاء، قد تابعه على هذا الوجه، والله أعلم.
وبالجملة؛ فإنَّ الراجح في حديث طاوس هو رواية الوقف، وقد رجَّحها جمعٌ من الأئمة كالنسائي، وابن الصلاح، والمنذري [انظر التلخيص 1/ 129]، وقال البيهقي في المعرفة (ح 2956): ((وروي موقوفاً، والموقوف أصح))، وقال النووي في المجموع (8/ 14): ((روي هذا الحديث عن ابن عباس مرفوعاً بإسناد ضعيف. والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، كذا ذكره البيهقي وغيره من الحفاظ)) وقال أيضاً في (21/ 274): ((يروى موقوفاً ومرفوعاً، وأهل المعرفة بالحديث لا يصححونه إلا موقوفاً ويجعلونه من كلام ابن عباس)). وممَّن رجَّح وقفه أيضاً الحافظ ابن عبد الهادي في المحرر في الحديث (1/ 123).
وأشار الترمذي عقب الحديث إلى ترجيح وقفه كما هو المفهوم من سياقه حيث قال: ((وقد رُوي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب)).
وأما الثاني: وهو سعيد بن جبير، فقد جاء عنه من طريقين اثنين:
الطريق الأول: رواه الفضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً بنحو حديث الباب.
¥