ولهذا صرَّح الحافظ الذهبى بتوثيقه من غير تورية، فقال فى ((الكاشف)) (2/ 316/5759): ((نبهان. عن مولاته أم سلمة. وعنه: الزهري، ومحمد بن عبد الرحمن. ثقة)).
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله؛ رد على من زعم أن ذكر الذهبى فى ((ذيل الضعفاء)) تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول!!. وقد علمت أنه ثقة عند الترمذى، وابن حبان والنووى والذهبى وابن حجر، وهو اللائق بحال التابعى الموصوف بأنه مكاتب أم سلمة.
(ثانيهما) رواية الزهرى عنه، ولا يضره تفرده، فقد تفرد الزهرى عن جماعة من تابعى المدنيين؛ لم يرو عنهم غيره، ووثقهم أئمة التزكية والتعديل.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر ((فتح البارى)) (9/ 337) عن حديث نبهان هذا: ((وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة، فإن من يعرفه الزهري، ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد؛ لا ترد روايته)).
والخلاصة أنه ليس مع من ضعَّف هذا الحديث حجة سوى:
(أولاً) التأويل الخاطئ لقول الحافظ عن نبهان مكاتب أم سلمة: ((مقبول)).
(ثانياً) تقليد ابن حزم على زعمه جهالة نبهان، وقد علمت أن الأئمة الفحول على توثيق من تفرد الزهرى بالرواية عنهم، ومنهم نبهان مولى أم سلمة رضى الله عنهم أجمعين.
وقد ذكرت كل من تفرد الزهرى بالرواية عنهم، وتوثيق الأئمة إيَّاهم والاحتجاج برواياتهم، فى كتابى ((الإكليل ببيان احتجاج اكابر الأئمة بروايات المجاهيل))، ونشرت بعض مهمات هذا الكتاب على هذا الملتقى المبارك.
قلت: ((هذه الوجوه التي ذكرتها في الشواهد والمتابعات لا بد أن تكون صحيحة سالمة من العلل حتى تقوِّي بها هذه الرواية التي تفرَّد بها صبيح المجهول الحال دون أن يتابعه عليها أحد من وجه صحيح، فإن أردنا أن نرد ذلك فلا بد أن نأتي بشواهد ومتابعات سالمة من الآفات لنقوي بها كلامنا، أما أن نأتي بشواهد ومتابعات غير صحيحة ثم نحاول أن نقوي الروايات المنكرة والضعيفة بها فهذا ليس صوابا ولا يوافق صاحبه عليه)).
وأقول: أحسنت أخى الكريم وأصبت، إلا قولك عن رواية صبيح أنها منكرة أو ضعيفة!. ولا خلاف فى صواب ما ذكرته من وجوب صحة وسلامة جميع المتابعات والشواهد، عند إرادة تقوية رواية ما بها، والاحتجاج لصحتها. وشكر الله لك هذا البيان الوافى فى تعليل الروايات التى سكتُ عنها، وإن كنتُ قد بيَّنتُ شدة وهن الشاهد من حديث أبى هريرة الذى تفرد به تليد بن سليمان الرافضى الخبيث.
ولكن فاتك أمر، ألتمس لك فيه العذر، إذ لم يتبين لك مقصدى من ذكر هذه المتابعات، وهو تعقب الترمذى على حكمه على رواية ((أسباط بن نصر الهمداني عن السدي عن صبيح)) بالغرابة، وليس من مقصدى تقوية هذه الرواية أو شد أزرها. كيف، وهى عندى بغنية عما يشد أزرها، ويقوى شأنها، فقد قلتُ: فأمثل أسانيد الحديث وأصحها ((أسباط عن السدى عن صبيح عن زيد بن أرقم)). وعليه فقد أردت نفى مطلق الغرابة عن رواية أسباط، ولم أرد تقويتها، ولهذا لم أبين أحوال رجال هذه المتابعات ولا درجة أحاديثهم، وإن كنت أقطع بشدة ضعفها.
ولعلك إذا قرأت ((تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد)) للشيخ الموفق أبى إسحاق الحوينى، وقعت على الكثير مما هذا سبيله، فهو فى الأغلب ينفى مطلق الغرابة عن الروايات التى يوردها، بذكر متابعات لها لعلها أشد منها وهناً.
فمثلاً أورد ما أخرجه الطبرانى ((الأوسط)) (136) من طريق يحيى بن بكير ثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أنس بن مالك أن النبي قال: ((ابتغوا الساعة التي ترجى في الجمعة، ما بين صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس، وهي قدر هذا)) يعني قبضته.
قال أبو القاسم الطبرانى: ((لم يرو هذا الحديث عن موسى بن وردان إلا ابن لهيعة)).
فتعقبه الشيخ بقوله: لم ينفرد به ابن لهيعة، فتابعه محمد بن حميد، ويقال حماد بن أبى حميد.
أخرجه الترمذى (489)، وابن عدى ((الكامل)) (6/ 2346،2203)، وأبو نعيم ((أخبار أصبهان)) (1/ 177:176) من طريق حماد بن أبى حميد عن موسى بن وردان عن أنس به نحوه.
قلت: والمتابعة المذكورة أوهى وأشد ضعفاً من رواية الأصل، وقد أبان أبو عيسى الترمذى ضعفها فقال: ((هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقد روي هذا الحديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه. ومحمد بن أبي حميد يضعَّف، ضعَّفه بعض أهل العلم من قبل حفظه، ويقال له: حماد بن أبي حميد، وهو منكر الحديث)).
ولا أرى ذلك يخفى على الشيخ أبى إسحاق، ولكن عذره أنه أراد نفى مطلق الغرابة عن رواية الأصل، بغض النظر عن صحة المتابع أو ضعفه.
فيا أخى الكريم. بارك الله فيكم، فإن كنت كفيتنى مؤنة بيان ضعف المتابعات المذكورة، فقد شكرتُ صنيعَك، ولكن يلزمك أن تعذرنى متى علمت قصدى، ولعلى أستدرك ما فاتنى من بيان شدة ضعف هذه المتابعات، إذ لا يخفى علىَّ ما بها من علل، وما برجالاتها من وهن.
وسلامى إليكم، ودائم دعواتى لكم بالتوفيق والسداد.
¥