وهذا حين الشروع فى الجواب عما ذكرتَه من إعلال المتابعة التى اخترتُها من خمس متابعات، وجعلتُها أجودَها وأحسنَها.
قلتَ: ((الرابع: في قوله حفظه الله: ((لم يتفرد أبو طلحة عن أنس، فقد تابعه إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة.
فقد أخرج الطبرانى ((3/ 259/3081) قال: حدثنا بكر بن سهل نا مهدي بن جعفر الرملي نا الوليد بن مسلم نا عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ ببنِّية قبةٍ لرجل من الأنصار، فقال: ((ما هذه؟))، قال: قبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ بنَِاءٍ ـ وأشارَ بيده هكذا على رأسه ـ أكبرُ من هذا، فهو وَبَالٌ على صاحبِه يومَ القيامة)).
وأخرجه الضياء ((الأحاديث المختارة)) (4/ 370/1537) من طريق الطبرانى بإسناده سواءً)) اهـ
فهذه المتابعة معلّة، فقد أخرجه ابن ماجه (4161) قال: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة، حدثني إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس قال: ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبة على باب رجل من الأنصار فقال ما هذه قالوا قبة بناها فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مال يكون هكذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها فمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلم يرها فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لما بلغه عنك فقال يرحمه الله يرحمه الله.
فخالفه في راويه عن إسحاق، فجعله: عيسى بن عبد الأعلى، بدل أبيه عبد الأعلى)).
وأقول: وزدتُ على ما ذكرتَه قولى عن هذه الطريق: وهذا إسناد رجاله موثقون كلهم، غير بكر بن سهل الدمياطى، وهو مقارب الحديث، وقد صرَّح الوليد بن مسلم الدمشقى بالسماع، فانتفت تهمة تدليسه.
وما ذهبتُ إليه من الاحتجاج بهذه المتابعة لا ينبغى أن ينكر علىَّ، ولى فى هذه المتابعة نظر غير الذى هو لك فى سائر متابعات الحديث، وذلك للاعتبارات التالية:
(الأول) أنه لو كانت رواية الأصل مستغنيةً بنفسها فى ثبوت الحديث، لكانت كل المتابعات من الطرق الأخرى ـ أعنى طرق إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة ـ لا تعلُّها، وإن أعلَّ بعضها بعضاً، وهذا أبين من أن نبرهن على صحته.
(الثانى) إنما اخترتُ رواية عبد الأعلى بن عبد الله بن أبى فروة عن إسحاق، لإنها الأجود إسناداً، والأشبه بصحيح حديث الوليد بن مسلم، فقد سمعه من عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة المدني، أحد ثقات المدنيين، ممن له رواية وأحاديث عدَّة عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة. وهو أعلى وأرفع منزلة من ابنه عيسى بن عبد الأعلى، الذى عارضتَ بروايته رواية أبيه الثقة، مع إقرارك بأنه لا يدرى حالُ الابن، ولا يكاد يُعرف!!، كما قاله الحافظان الذهبى والبوصيرى.
وأما النظر فى الراوى عن الوليد بن مسلم، وهو مهدى بن جعفر بن حيَّان الرملى الزاهد:
(1) فإن كان لمقالك عنه: ((مهدي بن جعفر له مناكير))، فسامحنى أيها الأخ الفاضل إن قلت لك: هذه من كيسك، وإلا فأتنى بثلاثةٍ فقط من مناكيره!!، شريطة أن يكون شيخُه ومن روى عنه ثقتان، وإلا ففى أشياخه ضعفاء، بل وكذابون، وكذلك الأمر فى تلامذته، وأظنك تعلم هذا جيداً. وهذه ترجمة مهدى بن جعفر الزاهد نزيل مصر فى ((تاريخ دمشق)) (61/ 280:277)، و ((تهذيب الكمال)) (28/ 588)، و ((ميزان الاعتدال)) (6/ 530/8830)، و ((المغنى فى الضعفاء)) (2/ 681/6464)، و ((تهذيب التهذيب)) (10/ 289)، و ((تقريب التهذيب)) (1/ 548)، و ((إكمال الحسينى)) (1/ 423/885)، لم نجد فيها هذا القول، اللهم إلا قول الإمام البخارى عنه ((له حديث منكر))، والفارق بعيد بين ذا وذاك!!. وقد أمهلتك زمناً ـ سامحنى أخى أنا لا أمتحنك ـ، للإجابة عن هذا السؤال: ما هو هذا الحديث المنكر الذى عناه الإمام البخارى؟.
وأنأى بك أن تقول: إنما قال البخارى ((حديثه منكر)). فإن قلتَه، فسوف آتيك بعشرات من أحاديث مهدى بن جعفر لتبين لى نكارتها، وأصدِّقك عند ذلك على ما نقلته عن الإمام البخارى.
¥