أقول والله المستعان: أخرج الحافظ أبو القاسم بنُ عساكر فى ((تاريخ دمشق)) (32/ 449) من طريقين عن أبى المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال أملى علينا عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى الكريزى القاضي قال أملاه علىَّ محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال أملى عليَّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة، أو سنة سبع وسبعين ومائة:
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَْنا ... لعلمتَ أنَّكَ في العبادةِ تلعبُ
مَنْ كانَ يخضبُ خدَّه بدموعِه ... فنحورنُا بدمائِنا تَتَخْضَبُ
أوكان يتعبُ خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريحُ العبيرٍ لكم ونحنُ عبيرُنا ... رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ
ولقد أتانا من مقالِ نبيِنا ... قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يَكذبُ
لا يستوي غبارُ أهلِ الله في ... أنفِ أمرئٍ ودخانُ نارٍ تَلهبُ
هذا كتابُ الله ينطقُ بيننا ... ليسَ الشهيدُ بميتٍ لا يكذبُ
قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه، وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟، قال: قلت: نعم، قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، وأملى عليَّ الفضيل بن عياض قال حدثنا منصور عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله؟، فقال: ((هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟))، فقال: يا رسول الله أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فوالذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت ثواب المجاهدين في سبيل الله، أمَا علمت أن المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات)).
قلت: وهذا إسناد واهٍ بمرة. والمتهم به واحد من اثنين:
(الأول) محمد ـ وقد يقال أحمد ـ ابن إبراهيم بن أبي سكينة، لا يشبه حديثه حديث أثبات أصحاب عبد الله بن المبارك.
قال الأمير أبو نصر بن ماكولا ((الإكمال)) (4/ 317): ((محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة أبو عبد الله. روى عن: فضيل بن عياض، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن سلمة الحراني. روى عنه: يحيى بن علي بن محمد بن هاشم، وعبد الله بن سعيد الكريزي الرقي، والفضل بن محمد العطار الأنطاكي)).
قلت: وكذلك روى عن: هشيم، وأبى يوسف القاضى، وعيسى بن يونس، وعلى بن ظبيان الكوفى، وغيرهم. وفى روايته عن مالك بن أنسٍ نظر.
قال الحافظ العسقلانى ((لسان الميزان)) (5/ 20/79): ((محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة. يروي عن: هشيم، وأبي يوسف. عنه: عمر بن سنان، وابن ابنته يحيى بن علي بن هاشم. ربما أخطأ، ذكره ابن حبان في ((الثقات)). قلت: وروى أيضا عن مالك. روى عنه: محمد بن مبارك الصوري. وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في من اسمه أحمد)) اهـ.
وقوله ((وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في من اسمه أحمد)): يعنى قوله تعقيباً على مقال الحافظ الذهبى فى ((الميزان)) (1/ 210/279): ((أحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة الحلبى، وبعضهم يسميه محمداً. قاله الخطيب. يروي عن مالك. قلت: ما رأيت لهم فيه كلاما)). فقال متعقباً فى ((لسان الميزان)) (1/ 131/405): ((ثم أعاده ولم يسم بجده، فقال: أحمد بن إبراهيم الحلبى. عن: علي بن عاصم، وقبيصة. قال أبو حاتم: أحاديثه باطلة تدل على كذبه. قلت: هو ابن أبي سكينة الذى تقدم. وقال في ((المغني)): أحمد بن إبراهيم الحلبى عن قتيبة وطبقته كذاب انتهى.
فهذا من العجب يقول: ما رأيت لهم فيه كلاما، ثم يجزم بأنه الذي قال فيه أبو حاتم ما قال، ولفظ ابن أبي حاتم: أحمد بن إبراهيم الحلبى. روى عن: علي بن عاصم، والهيثم بن جميل، وقبيصة، والنفيلي. روى عنه: أحمد بن شيبان الرملي. سألت أبي عنه وعرضت عليه حديثه، فقال: لا أعرفه وأحاديثه باطلة كلها ليس لها أصل، فدل على أنه كذاب. والذي يروي عن مالك أقدم من الذي يروي عن طبقة قتيبة، فلعلهما اثنان والله أعلم. وذكر الدارقطني والخطيب أن محمد بن المبارك الصوري روى عن أحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، ولم يذكرا له شيئا منكراً)) اهـ.
¥