تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحسن الله مثوبتكم. وتولى رعايتكم. وايَّدكم بالحق. وأيَّد الحقَّ بكم. وبعد ...

الذى ندين الله به، ونعتقده واجباً لازما، بعد قيام الدلالة بمقتضى ما بيناه من بطلان الأحاديث الآنفة الذكر، أن هذه الألفاظ ((الأبدال)) و ((الأوتاد)) و ((الأقطاب)) و ((الغوث الفرد))، وغيرها مما تتهوعها قلوب المؤمنين الموقنين، لم تكن تدور قطعاً على ألسنة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم ترد بها أحاديث صحاح تؤكد صحة مدلولاتها، على مقتضى كلام مَنْ أكثرَ استعمالها، ولهجَ بذكرِها، وأجراها على وفق قوانين وقواعد مبتدعة، ضاهت عند بعضهم الشرك الأكبر، وأكثرُهم من المنتمين إلى الشيعة، والرافضة، والصوفية.

وما اُستعمل منها على ألسنة أكابر أئمة السنة والجماعة، كالإمام ابن المبارك والأوزاعى والشافعى وأحمد وابن معين والبخارى وغيرهم من رفعاء أهل السنة، وخاصةً لفظ ((الأبدال))، فمحمول على معانٍ محمودة، ومدائح جائزة. وربما وقع الاشتباه فى دلالات هذه الألفاظ، من جهة المعهود الذهنى لمعانيها عند المخالفين من أهل الطوائف المبتدعة، كالشيعة الباطنية، والصوفية الإتحادية. وأما مع المجانبة والحذر من مشابهتهم، فلا مشاحة فى استعمال هذه الألفاظ حبنئذٍ، على المعانى الجائزة مما تبيحه أدلة الكتاب والسنة.

فلا يظن أحدٌ أن قول الإمام الحجة أبى عبد الله الشافعى عن شيخه يحيى بن سليم الطائفى: كنا نعده من الأبدال، أنَّه يعنى أن شيخه الطائفى أحد الأربعين أشباه إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، الذين كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ تَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلاً، ولا يعنى أن شيخه أحد من يستغاث بهم، ويستنزل بهم القطر والرزق. وهذا مما لا ينبغى الإسهاب فى بيان بطلان اعتقاده، وحمل كلام أئمتنا عليه.

ألا تراهم يقولون فى المديح ما لا يسعهم فعله، فضلاً عن اعتقاده، كقولهم ((فلان كعبة المحتاج لا كعبة الحُجَّاج، ومَشْعَر الكرم لا مشعر الحَرَم، ومِنَى الضيف لا مِنَى الخَيْف، وقِبْلَة الصِّلاتِ لا قِبْلَة الصَّلاة))، وهذا كثير دائر على ألسنة الأدباء الأبيناء البلغاء من أهل السنة. وعليه فقولهم عن رجل ((فلان من الأبدال))، محمول على معانٍ من الثناء والمديح والمحامد الجائزة، مما لا مساس معها بالمحظورات العقائدية. وما كان منها على خلاف هذه الدلالة، فمردود على قائله أو متأوله، فمن ذلك قول شهاب بن معمر البلخى عن الإمام حماد بن سلمة: كان يُعد من الأبدال، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له. ألا ترى أن مسحة الصوفية قد أذهبت رونق المدح والثناء، فأحالت المدح قدحاُ، والثناء هجاءاً. وقارن ذلك بقول ابن المبارك عنه: ما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأوائل من حماد بن سلمة، تجد بينهما بوناً شاسعاً، تستلطف معه كلام ابن المبارك، وتلقى إليه سمعك، بينما تستغرب ما صدر عن البلخى.

فإذا وضحت هذه اللمعة، فلنذكر طرفاً من الاستعمالات الجائرة لهذه الألفاظ عند الصوفية.

فهذا الشيخ عبد الرؤوف المناوى يوضح حقيقة البَدَل على اعتقادهم، فيقول فى ((فيض القدير)): ((وإذا رحل البدلُ عن موضعٍ ترك بدله فيه حقيقة روحانية؛ يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي، فإن ظهر شوقٌ من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص، تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدلُه، فكلمتهم، وكلموها، وهو غائب عنهم، وقد يكون هذا من غير البدل، لكن الفرق بينهما أن البدل يرحلُ ويعلمُ أنه ترك غيره، وغيرُ البدل لا يعرفُ ذلك وإن تركه)).

ولا أظنك وأنت تقرأ هذا الغثاء، إلا تعوذت بالله من هذه الأباطيل، وقلت مسارعاً ((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً))، ودعوت عائذاً ((رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير