وقال ابن حجر: الحديث معلول بالاضطراب. (التهذيب 8/ 174 ونحوه في بلوغ المرام 688)، وقال: الحديث فيه اضطراب شديد. (التهذيب 12/ 326)، وردَّ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 216) على من رجح بعض الأوجه في رواية الحديث قائلا: "لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث؛ فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا، كذا بل اختلف فيه أيضا على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضا".
والذي ردَّ على ترجيحه ابن حجر هو: الدارقطني، حيث قال بعد أن ذكر خمسة أوجه فقط من الاختلاف: والصحيح عن ابن بُسر عن أخته. (العلل 5/ 194/أ)
وكذا عبدالحق الإشبيلي، حيث رجح رواية ابن بُسر عن عمته (الأحكام الوسطى 2/ 225)، مع أنها رواية لم تثبت أصلا كما تقدم.
وقال سماحة الشيخ ابن باز: حديث منسوخ أو شاذ، لأن الأحاديث الصحيحة المحكمة قد دَلَّت على شرعية صيامه مع الجمعة أو مع الأحد في غير الفرض، وهي أحاديث صحيحة وكثيرة، وفيه علة أخرى أيضاً: وهي الاضطراب. (التحفة الكريمة 61)
من صحح الحديث:
قال الترمذي: حديث حسن، ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام، لأن اليهود تعظم يوم السبت.
وأورده ابن السكن في صحاحه (البدر المنير 5/ 760)، وكذا ابن خزيمة، وابن حبان، والضياء.
وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وقال إنه معارَض بإسناد صحيح .. فذكر حديثي جويرية وأم سلمة في صيام السبت.
ووجَّه عبدُالحق الإشبيلي تكذيب الإمام مالك بقوله: ولعل مالكا رضي الله عنه إنما جعله كذبا من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاع، فإنه كان يُرمى بالقدر، ولكنه كان ثقة فيما روى، قاله يحيى وغيره، وقد روى [عنه] الجلة، مثل يحيى بن سعيد القطان وابن المبارك والثوري وغيرهم. (الأحكام الوسطى 2/ 225)
قلت: التوجيه الذي قاله بعيد متكلَّف، لأن مالكا لم ينفرد بإعلال الحديث، ثم إن يحيى القطان نفسه قد أنكره من رواية ثور خصوصا، وأقره الإمام أحمد.
وقال الموفق ابن قدامة: حديث حسن صحيح. (الكافي 1/ 363)
وتعقب النووي والشمس ابن عبدالهادي قول أبي داود بالنسخ وتكذيب مالك للحديث. (المجموع 6/ 451 والمحرر 647)
وقال الذهبي عن طريق ثور: إسناد صالح حسن. (مهذب سنن البيهقي 4/ 1681)، وقال عن طريق حسان بن نوح عند النسائي: إسناد صالح. (تاريخ الإسلام 10/ 126)، وقال أيضا: يحمل الحديث على أنه كان يصوم معه يوما. (تنقيح التحقيق 1/ 396)
وقال الشمس ابن مفلح عن إسناد أبي عاصم عن ثور: سنده جيد. قلت: هذا حكمه على ظاهر الإسناد، ثم نقل إعلال الأئمة للمتن، وأقر كلام شيخه ابن تيمية في أن المتن شاذ أو منسوخ.
وقال العراقي: حديث صحيح. (الأربعون العشارية 17)
وقال ابن الملقن: والحق أنه حديث صحيح غير منسوخ. (البدر المنير 5/ 763)، ونص أنه يُحمل على إفراد السبت فقط.
وهنا تنبيه مهم: فعلى فرض ثبوت الحديث وأنه غير منسوخ فهذا أغلب من صححه رأى أن النهي ليس مطلقا، بل هو مخصوص بإفراد السبت، وبعضُهم نص أنه معارَض بالصحيح، فينبغي لمن يحتج بتصحيحهم أن يراعي فقههم للحديث، فإنه لذلك لم يستنكروه.
ثم انتصر الألباني لتصحيح الحديث في إرواء الغليل (رقم 960) وعدد من كتبه، وقلَّده جماعة من المعاصرين.
وقد صحح الإمام الألباني الحديث اعتمادا على ما وقف عليه من طرقه، فبنى ترجيحه على اجتهاده في دراستها، ولكن بالتوسع في التخريج نجد أن عدة أوجه واختلافات لم يخرّجها رحمه الله، ولعله لذلك لم تتبين له قوة الاضطراب على حقيقته، فربما لو رآها وقت تخريجه للحديث لكان تغير ترجيحه، فرحمه الله تعالى، وجزاه عن السنة وأهلها خيرا.
خلاصة البحث:
ظهر لديَّ أن الحديث لا يصح لاضطرابه، ولو لم يكن مضطربا فهو شاذ، وإن سلم منه فهو منسوخ، مع التنبيه أن غالب من تساهل وصحح الحديث لم يأخذ بظاهره، بل حمله على إفراد السبت بالصوم، والله تعالى أعلم.
وقد أفرد موضوع الحديث بالتصنيف عدة، منهم ابن حجر في رسالته: القول الثبت في صيام السبت، وغير واحد من المعاصرين.
ـ[باز11]ــــــــ[21 - 02 - 05, 09:56 ص]ـ
اذكر لنا ياأخانا الشيخ من صنف في هذا الموضوع من المعاصرين ونحن نميل لاثبات الحديث والالصواب مع الترمذي ومن أثبته من الحفاظ ونشكرك على بحثك
ـ[حارث همام]ــــــــ[21 - 02 - 05, 12:15 م]ـ
تحسين الإمام الترمذي ليس هو ماصطلح عليه المتأخرون، فلا يعني تحسينه أن الحديث من قبيل المقبول عنده، وإنما اشترط بنفسه ثلاثة شروط لإطلاق لفظ الحسن:
1 - أن لا يكون فيه متهم بالكذب، (وهذا لايخرج الراوي الضعيف).
2 - أن لايكون شاذاً، (وهذا لايخرج المنقطع والمرسل وما فيه تدليس).
3 - أن يروى من غير وجه. (وليس شرطاً إذا تعددت طرق الرواية أن يكون الحديث صحيحاً بل قد يزيد تعدد الطرق من اليقين بأن الحديث فيه ما فيه).
ومن حمل من المتأخرين عبارة الترمذي على اصطلاحهم فإنه يحكم على الترمذي بالتساهل في التحسين! وإذا كان الأمر كذلك -وليس هو كذلك- فكيف يقدمون تحسينه على نقد الأئمة الجهابذ الذين سمى الشيخ محمد بن زياد بعضهم، وإذا لم يكن تحسينه يقتضي قبولاً (وإن تضمنه أحياناً) كما هو الواقع فلا معنى للاستمساك به ولو كان الاستمساك بتحسين الذهبي لكان الأمر أيسر.
================================================== ==============
الشيخ الفاضل محمد بن زياد:
شكر الله لكم هذا الجهد المبارك، وقد كفيتم مؤونة البحث واستقصاء الطرق فقد كان في النفس شيئ من هذا الأثر مذ قرأت كلام بعض الأئمة في تعليله ولكن الهمة تقعد بالطالب عن البحث لتشعبه فبارك الله في جهدكم وعملكم.
وأنبه إلى أن فهم ما كتبتم وتتبع ما فيه يعسر على مثلي بغير رسم أسانيده وتشجيره، فإن كان ذلك متيسراً لكم ومعد فأرجو أن يرفق فقد يختصر لنا (الكاتب ومن كان نحوه) ذلك بعض الساعات.
وجزاكم الله خيراً ..
¥