تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قاعدة جليلة فى فهم نصوص الوحى والتنزيل]

ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[08 - 03 - 05, 08:01 ص]ـ

الْحَمْدُ للهِ نَاصِرِ الْحَقِّ وَرَافِعِى لِوَائِه. وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتّمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى أَتقَى خَلْقِهِ وَأَوْلِيائِه. وبعد ..

لأهل السَّنة وأصحاب الحديث النَّصِيبُ الأَوْفَى والْقِدْحُ الْمُعَلَّى من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. وكيف لا، ومحكمُ التَّنزيل مُعْتَصَمُهُم، ورسولُ الله إِمَامُهُم وَمَتْبُوعُهُم، ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)) (الأنعام:90). وقد أعاذهم اللهُ العظيمُ من أربعِ ضلالاتٍ زائغاتٍ: من تأويل المعطِّلين، وتحريف الغالين، وتشبيه الجاهلين، وتلبيس المبطلين.

النَّاس فى فهم نصوص الوحي على خمسة أصناف:

أصحاب تأويل، وأصحاب تخييل، وأصحاب تجهيل، وأصحاب تمثيل، وأصحاب سواء السبيل

فانظر لنفسك: إلى أى الأصناف تنتسب!

ــــــــــــــــ

ولله درُّ ناصرِ الكتاب والسَّنة ابن القيِّم ـ عليه سَحَائِبُ الرَّحمة وشَآبِيبُ الغفران ـ:

لَهُ الْقِدْحُ الْمُعَلى فِى الْعَوَالِى ... وَفِى بَسْطِ الأَدِلَّةِ طُولُ بَاعِ

فقد ذكر فى ((صواعقه المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة)) انقسامَ النَّاس فى فهم نصوص الوحى على الخمسة الأصناف التَّالية:

[الصِّنْفُ الأَوَّلُ: أَصْحَابُ التَّأوِيل] وهم أشد الأصناف اضطرابا، إذ لم يثبت لهم قدمٌ في الفرق بين ما يُتَأَوَّل وما لا يُتَأَوَّل، ولا ضابطٌ مُطِّرِدٌ مُنْعَكِسٌ تجب مراعاته، وتمنع مخالفته، بخلاف سائر الفرق، فإنهم جروا على ضابطٍ واحدٍ، وإن كان فيهم من هو أشد خطأ من أصحاب التَّأويل، كما سنذكره.

[الصِّنْفُ الثَّانِي: أَصْحَابُ التَّخْيِيل] وهم الذين اعتقدوا أن الرَّسلَ لم تفصح للخلق بالحقائق، إذ ليس في قواهم إدراكها، وإنَّما خيَّلت لهم، وأبرزت المعقول في صورة المحسوس. قالوا: ولو دعت الرَّسلُ أممهم إلى الإقرار بربٍّ لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا محايثا له، ولا مباينا له، ولا متصلا به، ولا منفصلا عنه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا عن يمينه، ولا عن يساره؛ لنفرت عقولهم من ذلك، ولم تُصَدِّق بإمكان وجود هذا الموجود، فضلاً؛ عن وجوب وجوده. قالوا: وكذلك لو أخبروهم بحقيقة كلامه، وأنه فيضٌ فاض من المبدأ الأوَّل على العقل الفعَّال، ثم فاض من ذلك العقل على النَّفس النَّاطقة الزَّاكيَّة المستعدة؛ لم يفهموا ذلك، ولو أخبروهم عن المعاد الرُّوحانِيِّ بما هو عليه لم يفهموه، فقربوا لهم الحقائق المعقولة في إبرازها في الصُّور المحسوسة، وضربوا لهم الأمثال بقيام الأجساد من القبور في يوم العرض والنُّشور، ومصيرها إلى جنَّةٍ فيها أكلٌ وشربٌ ولحمٌ وخمرٌ وجوارٍ حِسَانٍ، أو نارٍ فيها أنواع العذاب، تفهيماً للذَّة الرُّوحانيَّة بهذه الصورة، والألم الروحانِيِّ بهذه الصورة، وهكذا فعلوا في وجود الرب وصفاته وأفعاله؛ ضربوا لهم الأمثال بموجودٍ عظيمٍ جدَّاً أكبر من كل موجودٍ، وله سريرٌ عظيمٌ، وهو مستوٍ فوق سريره، يسمع ويبصر، ويتكلم، ويأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويأتي ويجيء، وينزل، وله يدان، ووجه، ويفعل بمشيئته وإرادته، وإذا تكلم العباد سمع كلامهم، وإذا تحركوا رأى حركاتهم، وإذا هجس في قلب أحدٍ منهم هاجسٌ علمه، وأنه ينزل كلَّ ليلةٍ إليهم إلى سمائهم هذه، فيقول: من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له، إلى غير ذلك، مما نطقت به الكتبُ الإلهيَّة. قالوا: ولا يحلُّ لأحدٍ أن يتأوَّل ذلك على خلاف ظاهره للجمهور، لأنه يفسد ما وُضعتْ له الشرائعُ والكتبُ الإلهيَّة، وأما الخاصة فهم يعلمون أن هذه أمثال مضروبة لأمورٍ عقليَّةٍ، تعجز عن إدراكها عقولُ الجمهور، فتأويلها جناية على الشريعة والحكمة، وإقرارها إقرار للشريعة والحكمة. قالوا: وعقول الجمهور بالنسبة إلى هذه الحقائق أضعف من عقول الصبيان بالنسبة إلى ما يدركه عقلاء الرجال، وأهل الحكمة منهم، والحكيم إذا أراد أن يخوِّف الصغيرَ أو يبسط أملَه؛ خوَّفه ورَجَّاه بما يناسب فهمَه وطبعَه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير