تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" (وَجَاءَ رَبُّكَ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة "سبحان" فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا " ا. هـ

وقال في تفسيره:

" وأما قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى " ا. هـ

فقوله: " والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله " صريح في أن الظاهر المتبادر إلى أذهان غير المشبهين من أئمة السلف والسنة هو مثبت لله وهذا إثبات صريح لمعاني الصفات.

ومن باب أولى الظاهر المتبادر إلى أذهان الكل كحال أكثر النصوص مما يعترف به حتى المعطلة بأنه ظاهر متبادر ثم يزعمون أنه منفي، فهو عند الإمام ابن كثير مثبت ومراد

فلما علق الإمام ابن كثير إثبات المتبادر إلى الذهن من الصفة وهو المعنى الظاهر لها لما علقه بحال الناظر ولم يبطله من أصله دل على أن المعنى المتبادر في حقيقة الأمر هو ثابت عنده وإنما المنفي هو ما يلصقه المشبه بالنص.

وخصومنا بحمد الله يعترفون بأن ما ينفونه تأويلا أو تفويضا ونثبته نحن دونهم هو المتبادر إلى أذهان الجميع لكنهم يزعمون خلافا لابن كثير أنه تشبيه مطلقا

ومما يجلي لك موقف الإمام ابن كثير في الصفات موقفه من أهل الإثبات المشهورين به الذين يثبتون الصفات بمعانيها والذين تنفر منهم الأشاعرة ويصفهم بعضهم بالتشبيه والتجسيم كالإمام ابن أبي عاصم صاحب كتاب السنة

فقد قال في ترجمة ابن أبي عاصم:

" أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف " ا. هـ

وقال ابن كثير عن الإمام ابن بطة الذي يصفه الأشاعرة بأقذع الأوصاف:

" أحد علماء الحنابلة وله التصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلوم ... وأثنى عليه غير واحد من الأئمة وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد رأى بعضهم رسول الله فقال يا رسول الله (ص) قد اختلفت علي المذاهب فقال عليك بابي عبدالله بن بطة ... "

ثم ذكر ملخص ما أجاب به ابن الجوزي عن الطعون التي وجهت لابن بطة.

وانظر أيضا ترجمته لأبي يعلى الذي يتهمه عامة الأشاعرة بالتجسيم وترجمته للإمام الدارمي بل قال عن كتابه الذي يصفه الأشاعرة بالتجسيم قال:

" وعثمان بن سعيد الدارمي مصنف الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية وقد ذكرناه في طبقات الشافعية "

فاعتبر الأقوال والتأويلات الذي نقضها الدارمي تمثل مذهب الجهمية وجلها تأويلات الأشاعرة.

ويكفي أنه عندما ترجم لوفاة شيخه ابن تيمية وجنازته استدل بعبارة الإمام أحمد: " قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز "

فجعل جنازة ابن تيمية امتحانا لخصوم السنة

ثم ذكر تفاصيل جنازته فقال:

" فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ " ا. هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير