" وإنما تحيرت الجهمية وضلت عقولهم حين قالوا إن الله لا يخلو منه شيء، ولا يزول عن موضعه، فأسرع إلى الجهال قولهم وكذلك ربنا جل وعز ولكن ليس بمنزلة الخلق في نزوله وليس أحد من الخلق يصير عن مكانه وموضع كان فيه إلى مكان غيره إلا وهو زائل عن موضعه ومكانه الأول لنفسه وعلمه لجهله بما يحدث بعده على مكانه وموضعه الأول وإن الله تبارك وتعالى لما استوى من الأرض إلى السماء أو نزل من سماء إلى سماء أو إلى الأرض لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض، علمه بما فيهن بعد الاستواء وبعد النزول كعلمه بهن قبل ذلك لم ينقص الاستواء في النزول من علمه ولا زاد تركه في علمه فمن كان هذا حاله فليس بزائل عن خلقه ولا خلقه بخال من علمه تبارك الله رب العالمين " ا. هـ
ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب
قال في كتابه " المسائل التي خالف النبي ص أهل الجاهلية ":
" وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم [يعني الحشوية] , تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم, حيث يقولون في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}.
وقد أخطأت استهم الحفرة , فالسلف لا يقولون بورود ما لا معنى له لا في الكتاب ولا في السنة, بل يقولون في الاستواء مثلا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان, والجحود به كفر"2
وقد أطال الكلام في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه، ولخص ذلك في كتابه " جواب أهل الإيمان في التفاضل بين آيات القرآن " ا. هـ
هذا من الشيخ قاطع للنزاع فهو قد أنكر بمنطوق كلامه مذهب المفوضة ونزه السلف عن طريقتهم واعتبرهم خصوم مذهب السلف فكيف ينسب له التفويض وهل الذي عزاه لشيخ الإسلام في كثير من كتبه هو التفويض؟!!
وفي معرض رده على أحدهم يقول في رسائله:
" وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين إلى آخره وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة وأن إنكارها مذهب أهل السنة ...
وقوله أيضاً ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام إلى آخره، وهذا أيضاً من أعجب جهله وذلك أن هذا مذهب طائفه من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه. وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه وذلك صفات كثيرة " ا. هـ
حتى قال الشيخ محمد رشيد رضا مدافعا عنه ضد بعض خصومه مبينا مجانبته للتفويض:
" إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش .. إلخ، وإنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبيّنة له.
فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.
وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم. والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب - إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام " ا. هـ
¥