وقال أبو عبد الله محمد بن عبدالله ابن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال:
ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره -إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق.
قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ.
وذكر ابن أبي زمنين آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها:
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا. هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وقال الإمام ابن شاهين:
" وأن الله ينزل
إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه بلا حد ولا صفة " ا. هـ
المعنى لا يحتاج إلى شرح، أيْ ولا صفة تفصيلية لأن ابن شاهين جرى في كتابه على الإثبات وليس بجهمي معتزلي حتى ينفي جنس الصفة وهذا يقرب لك معنى الحد هنا وأنه الكيف فهو المعنى التفصيلي والمقام مقام إنكار التوسع والتفصيل في الإثبات
وقال ابن شاهين:
" وأشهد أن جميع الصفات التي وصفها الله عز وجل في القرآن حق سميع
بصير بلا حد محدود ولا مثال مضروب عز جل أن يضرب له الأمثال " ا. هـ
ونفي التحديد في السمع يفيد أن إثبات المعنى ليس بتحديد
قال الأزهري اللغوي
" والسَمِيعُ من صفات الله وأسمائه. وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء؛ كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قال الله تبارك وتعالى: () (المجادلة: 1) وقال في موضع آخر: (مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ) (الزخرف: 80) قلت: والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بمعنى المُسْمِع، فراراً من وصف الله بأن له سَمْعاً. وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه. فهو سَمِيعٌ: ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف. ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً، ويكون مُسمِعاً. وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ:
أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ
يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ
وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع، وهو شاذّ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع، مثل عليم وعالم وقدير وقادر " ا. هـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المصري القيرواني المتكلم صاحب رسالة الإيماء إلى مسألة الإستواء فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث أن الله سبحانه مستو على العرش بذاته
قال: وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه
ثم قال: " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة " ا. هـ
قال الذهبي معلقا:
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا. هـ
وإذا كان الحد هنا بمعنى الكيف والتحديد بمعنى التكييف فإنه يأخذ أحكام الكيف السابقة
فالتكييف منفي عن الله مطلقا أما الكيف فالمنفي هو علمنا به وأما أصله فهو ثابت في كل صفة فكل صفة لها كيفية لكن لا نعلمها نحن قال القاضي أبو يعلى:
" رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا. هـ
وسبق قول الإمام ابن أبي زمنين:
¥